هل الله يحرض على العنف كما يبدو في العهد القديم؟؟

أولا: مسيحنا علّمنا أن الردع للخاطئ تحذير مطلوب، وأما التشفي والعنف فهو شر مرفوض.

أثارت بعض التعليقات على حكم قضية شهداء نجع حمادي من بعض الأخوة والآباء، ومنهم قيادات كنسية، ألماً كبيراً وحسرة فيَّ. وذلك لأنه تُشتَم من بعض هذه التعليقات رائحة “تشفى” و”شماتة” في القاتل، وهذا غريب عن روح المسيح وكنيسته. البعض عبّر عن ارتياحه وارتياح أهل الشهداء أساساً؛ لأن حكم الإعدام يحقق قصاص الموت في القاتل، وهذا يشفى الغليل، معللين ذلك أن أمر الرب (حتى في العهد الجديد) هو أن القاتل يُقتل، وسافك دم إنسان يُسفك دمه، كما في العهد القديم!!! و أيضا يقولون: لأن الرب قد قال: “كل من يأخذ بالسيف بالسيف يؤخذ”. مع أنه واضح أن هذا التعليم من الرب كان ليمنعنا نحن من استعمال السيف والعنف مع أي إنسان، وليس لكي “نستريح و نتشفى” ويرتوي غليلنا عندما يؤخذ من يعادينا من البشر بالسيف، فليس هذا هو العدل عند الله كما سنرى!!! الإنسان الذي يؤذيني أو يقتلني ليس هو عدوى الحقيقي، بل هو في الحقيقة “مجنيٌ عليه بالإضافة” معي من العدو الشرير الوحيد لنا كلينا، بحسب تعليم الرب لنا. وهذا العدو هو إبليس فقط، والذي يستعمل البشر كأداة لشره. نحن شعب المسيح وملكوت الله، ليس لنا أعداء من البَشَر، فأعدائنا هم أجناد الشر الروحية فقط. فالرب لم يتشف ولم يشمت في أيٍ من أعداءه، حاشا. وقديسي الكنيسة الشهداء أتباع المسيح في تاريخنا الطويل كانوا يطلبون الرحمة والمغفرة لقاتليهم، كما فعل إستفانوس أول الشهداء، وليس الرب وحده على الصليب  هو الذي غفر لقاتليه لكونه الله.

إن كان هناك قبول ورضا على حكم المحكمة، فيجب أن يكون من باب أننا نوافق على الحكم لأنه سيكون رادعا في المستقبل لمن تسول له نفسه أو فكره أن يقتل الأبرياء لكي – كما يظن مخدوعاً من إبليس – أنه يقدم خدمة لله، كما لو أن الله يحتاج لمن ينقذه!!! وليس الرضا المسيحي أبدا من باب التشفي بأن إعدام أي إنسان سوف يقيم عدلاً. أيُ عدلٍ خيالي هذا الذي يضيف إلى القتيل الواحد قتيلاً آخر (بإعدام القاتل)، ويقولون عنه إنه عدل الله وأمر الله؟؟؟ هذا عدل البشر. الرب يسوع المسيح لم يطلب موت أحد أبداً، بل حياة الكل، ولم يقتص بإرادته من أحد. الشرير يموت بشره “الخطية هي التي متى كمُلت تنتج موتاً. لا تضلوا يا أخوتي الأحباء” يقول يعقوب الرسول (يع 1: 15 – 16).

الموت الروحي بانفصال الخاطي غير التائب عن الله يتم بحرية الخاطي وحده، وليس بإرادة الله، محب البشر ومعطى الحياة. ثم أتساءل: أي عدل يمكنني أن أحققه بأن أكسر ذراع أخي الذي كسر ذراعي، أو أن أكسر سِنّه كما كسر سني، أو أصيب عينه إن أصاب عيني؟؟؟ فيكون الناتج الواضح عندنا: قتيلين وذراعين مكسورين وسِنَّين مكسورين وعينين قد أعمتهما عدالة البشر القبيحة في عيني الله؟؟!!!  قال المهاتما غاندي: “العين بالعين نظام يجعل العالم كله أعمى!!!”.

إنما العدل حقا هو أن يُصلَحَ ذراعي وسني وعيني ويُصلَحَ قلب وفكر من آذاني، ويعود لصواب المحبة والإنسانية الحقة ويرجع إلى الله بكل قلبه، وأن يُحيى الله القتيل والقاتل كلاهما، وهذا قطعاً سوف يعمله الله في التجديد والقيامة قريباً، وهو يُحيى السلام والمغفرة في قلوب المؤمنين من أهل الشهداء بالعزاء على الأرض مؤقتاً الآن، حتى نكمّل جميعنا في الملكوت، إن كنا نؤمن حقاً بوعود المسيح لنا. أعتقد أن شهدائنا الجدد أنفسهم و الرب يسوع المسيح المخلص الذي رفض تعليم العنف بجميع أشكاله يوافقونني على ندائي: الردع مطلوب ولكن التشفي والعنف شر مرفوض.

ثانيا: ما هو بالضبط الذي قد “كمّله” الرب من ناموس العهد القديم، وما قد “حررنا منه” كما  تُعلِّمنا عبارات بولس الرسول (كولوسى 2: 22 – 21)، ودسقولية الآباء الرسل الأطهار؟؟

نحن نعلم أن الرب عندما قال: “ما جئت لأنقض بل لأكمل” أنه أيضا رفض عنف الناموس وحررنا من عبودية  ما أسمته دسقولية الآباء الرسل “أثقال – رباطات – أو كتافات الناموس” والتي شرحتها الدسقولية في الفصل 33، كما قدمها لنا المستشار د. وليم سليمان قلادة. وأقتبس منها هذه الفقرة الرائعة جداً: “فلأجل قساوة قلوبهم (شعب إسرائيل) ربطهم بهذا: الذبيحة و الامتناع (لا تمس ولا تذق ولا تستعمل أو تجس – أنظر أدناه مرجع الدسقولية هنا من: كولوسى 2 عدد 22 – 21) والتطهير …. فأما أنتم أيها المؤمنون الذين آمنوا بإله واحد … فقد حلكم من هذه الرباطات وجعلكم أحرارا من العبودية … لأن المسيح ابن الله لما جاء حقق الناموس وكمّله، وحمل الأثقال [رباطات أو كتافات ناموس موسى] التي كانت عليهم وبطّلها بالكمال، و الناموس الطبيعي ثبّته [الذي عاش به الآباء بدون وصية مكتوبة قبل موسى] و جعل سلطان الناس حرا.” (صفحة 727 من الطبعة الأولى عام 1979).

الرب إذن لم يُصدّق على، أو يوافق ويقبل أو يُثبّت، ما وصفه الرسل في الدسقولية على أنه “الأثقال”، بل على العكس تماما تؤكد الدسقولية أن هذه الأثقال قد “حررنا منها الرب بالكمال”. أما الذي ثبَّته وأكمله الرب، فهو “ناموس المحبة” وليس ناموس الذبائح والامتناعات الطقسية والنجاسات والتطهيرات والعنف ورجم القاتل والزاني والمُجدّف، وقطع اليد، وقتل وتحريم المدن بكل من فيها حتى الأطفال والرضّع، ونظام بيع الناس عبيداً، وأخذ النساء سبايا حرب … إلخ، ذلك العنف الذي أوصى به كله موسى في الناموس “لغلاظة قلوبهم”، وقد حررنا منه كله الرب المتجسد (إقرأوا بدقة الأسفار الخمسة – التوراة).

والقطعة السابقة من أقوال الرسل، في الدسقولية، هي جوهرة ثمينة جدا وهامة جداً؛ لأنها تشكل إجابة يسأل عنها الجميع و لا يجروء على مناقشتها إلا القليلون جدا منا: ما هو بالضبط ما كمّله الرب من الناموس، وما هو ما حررنا منه في العهد الجديد؟ هذه الفقرة من الدسقولية تجيب بكل دقة، فهي ميزان حساس ودقيق للتمييز بين ما قد ثبته وكمّله الرب في قوله “ما جئت لأنقض بل لأكمل”، وبين ما قد ألغاه نهائيا وحررنا منه بالكمال والتمام من أثقال وعنف التعليم القديم.

هناك أيضا مقياس آخر سهل جدا للتأكد مما هو تعليم إلهي مائة في المائة وما هو “وصايا وتعاليم الناس”، في العهد القديم، كما سمّاها بولس الرسول في رسالته لأهل كولوسي. هذا المقياس السهل والجميل هو: إن كانت الفقرة أو التعليم الذي تقرأه في العهد القديم يتطابق ويتناغم بكل دقة مع تعليم وشخص وأسلوب حياة ومحبة الرب يسوع المسيح في العهد الجديد (مثل كل ما يدعو للمحبة والمغفرة)، فهذا بلا أدنى شك تعليم إلهي؛ أما إن كان النص التعليمي لا يتفق ويتطابق مع تعليم الرب في العهد الجديد (مثل كراهية العدو أو أي قتل أو عنف كما ذكرت سابقا)، فهذا يكون غالباً تعليماً ينتمي إلى ما أسماه بولس الرسول “وصايا وتعاليم الناس” وهو أيضا ما أسمته الدسقولية “رباطات” أو “أثقال” أو “كتافات” الناموس. وهذه الرباطات، بما أن الدسقولية تؤكد أن المسيح قد حررنا منها، تكون بالتبعية وصايا وتعاليم الناس، وإلاَّ لماذا يحررنا منها الله إن كان هو معطيها، وبهذا تكون مطلقة الكمال؟؟؟!!! وأقول هذا لأن البعض يسيئون فهم قول الرب: “ما جئت لأنقض بل لأكمل” (عن جهل أو قصد، الله وحده يعلم)، فينسبون إلى الله ما لا ينسب لإنسان صاحب أخلاق معتدلة في أيامنا، ظانين أن الدفاع عن مصداقية الكتاب المقدس لا يتحقق إلاَّ بأن ننسب كل ما علّم به العهد القديم من عنف لله نفسه، وأن كل كلمة وحرف في الكتاب المقدس هي إرادة الله المؤكدة، مهما كانت عنيفة ولا يليق نسبها لله. هذا وإلاَّ نُتهم بالتشكيك في مصداقية الكتاب المقدس!!!

هؤلاء المسيئون لمحبة الله، بدافع الدفاع عن مصداقية الكتاب المقدس، يقتبسون ما يحلو لهم من قسوة العهد القديم على أنه لم يُنقض بعد، مثل العنف المذكور، أو قوانين النجاسات و الطهارات خاصة للمرأة!!! و هنا قد يتساءل القارئ متخوفا: أليس كل ما كتبه وعلَّمه موسى إذن هو من الله ذاته ومن الله مباشرةً، وفقط من الله؟؟؟!!! كيف تصف الدسقولية أجزاء من ناموس موسى أنه “أثقال” وقد حررنا منها ابن الله؟؟؟ هذا أمر غريب، بل ويدعوا للشك والريبة قطعاً، فالله في الكتاب المقدس لا “ينسخ” أقواله وتعاليمه، فهي كلها تعاليم مطلقة الصحة وكاملة، إن كانت من الله ذاته. ولكن ها هو القديس بولس الرسول بشخصه يقول ما هو أشد جرأةً من الدسقولية، في الرسالة لأهل كولوسى الإصحاح الثاني عدد 21 – 22، ويبدو أن قوله هذا هو مرجع الدسقولية للاقتباس المذكور سابقاً، فهو يؤكد أن تعاليم ناموس موسى عن “الامتناع”، والتي حسب الدسقولية قد حررنا منها المسيح، وهي جزء ليس بقليل من حجم الناموس الموسوي، هي حقيقةً وصايا وتعاليم الناس وليس الله: “تفرض عليكم فرائض، لا تمس ولا تذق ولا تجس التي هي جميعها للفناء في الاستعمال حسب وصايا و تعاليم الناس”!!!!!!! [وليس الله].

ونحن أيضا نذكر جميعا أن الرب في (لو 9 أعداد 54 – 56) قد وبخ تلميذيه وانتهرهما بشدة عندما اقترحا عليه أن يطلبا (هما وليس هو!!! يا للجرأة) أن يرسل الله نارا من السماء لتحرق من لم يقبلوا المسيح، كما فعل إيليا في الماضي!!!  فإن كان الله ذاته هو فعلاً و حقاً من حرّض على العنف في القديم، وهو الذي أمر أن يقتل صموئيل النبي وإيليا النبي الكثيرين بالسيف والنار، فلماذا إذن ينتهر الرب تلميذيه بشدة عندما اقترحا (مجرد اقتراح!!!) أن يقتل ويحرق الرب أعداءة، مجرد “كما فعل إيليا”؟؟ لماذا وكيف حسب الرب التلاميذ أنهم يستحقون الانتهار: “لأنهما لا يعلمان من أي روح هما” ؟؟ الظاهر جدا هنا أن التلاميذ لم يخطئوا أبدا في هذا الطلب، إن كان الله هو الفاعل الحقيقي في هذا الأمر أيام إيليا!!! ألا يدل هذا الانتهار وعدم رضا الرب يسوع بموقف التلاميذ، المُطالب بالعنف والقتل للأعداء، على أن هذا العنف هو ليس من روح المسيح، بل من فكر وحضارة أنبياء العهد القديم، لضرورات حضارية وليس لمطلب إلهي من الله نفسه، وأن هذا العنف كله يُدرج ويُفهم في قول الرسول بولس: “وصايا و تعاليم الناس”؟؟ والتي تشهد عنها الدسقولية أيضا أنها ليست تعاليم إلهية، ولذلك تجرأ الرسل وكتبوا أن المسيح قد حررنا منها بالكمال؟؟؟ وقطعا ما كان يمكن أبدا أن يكتب لنا بولس الرسول وبقية الرسل الأطهار هذا التعليم لو كان الله هو مصدر هذه “الأثقال” و”الرباطات” التي في ناموس موسى!!!

وإن كان الله هو الذي قال في القديم “تحب قريبك و تكره عدوك”، فكيف يكون هو نفسه قائل ومعلم “أحبوا أعدائكم …”؟ أمن الفم الإلهي الواحد تخرج اللعنة والكراهية وتنبع المحبة والمغفرة؟؟؟ حاشا لله. وإن كان الرب حقيقةً هو الذي أوصى موسى أن “يأذن لكم بالطلاق لأجل غلاظة قلوبكم” وليس أن موسى هو الذي أذن بالطلاق قديما، فلماذا قدَّم الرب يسوع تعليما عن الطلاق يرفض ما قد أذن به موسى قبلا، إن كان الله هو الآمر في القديم بذلك ؟؟

فكروا بعمق أيها القراء حتى لا يُجدّف على الاسم الحسن بسبب تفسيراتنا، العنيفة الغير مسيحية قطعا، التي تحتاج إلى مراجعة.

هناك احتمالان إذن لتفسير العنف في العهد القديم: إما أن الرب المسيح كان “ينسخ” ما قد قاله هو بنفسه في القديم (حاشا لله)، وإما أن بعض مما “قيل للقدماء” هو فعلا كما وصفه القديس بولس: “وصايا و تعاليم الناس” لضرورة حضارية، نعم، وسمح الله بها، نعم، ولكن لم يكن هذا السماح أبدا بأمر من مشيئته هو أو برضاه على قواعد الإنسان الأخلاقية قديما، بل كان سماحه لأن الله يترك لحرية الإنسان تدابيره السياسية والاجتماعية والقانونية بحسب تخلف أو تقدم ظروف الإنسان الحضارية.

لنا خيار من اثنين فقط، وبناء على الخيار المختار علينا أن نراجع أنفسنا قبل أن يراجعنا منتقدونا يوميا ويكوُّون ظهور أبنائنا في المدارس وعلى الفضائيات، بأن إلهنا هو إله لا يختلف أبدا عن الإله الذي يحُض تابعيه أن يقتلوا من يختلف معهم في الفكر، حتى ولو كانوا من دينهم ذاته، لكي يقدموا خدمة لله!!!

علينا أن نجاوب من روح المسيح، وليس من روح العهد القديم وفلسفات أخرى. علينا أن نحكم بروح المسيح الذي هو وحده قادر أن يحكم على العهد القديم وليس أن العهد القديم يحكم في تعليم المسيح – هذا مبدأ غاية في الأهمية لغسل أفكار مريضة كثيرة ورثناها ممن يساوون عهد النعمة بالعهد القديم، على مبدأ أن “الله هو هو أمس واليوم وغداً”، بلا تغيير في مواقفه من العنف والقصاص قديماً وحديثاً، وكأن المسيح لم يتجسد ولم يعلمنا أي جديد يستحق الذكر مادمنا نُعلّم ونطالب بأننا لن نستريح إلاَّ بإعدام أعدائنا لكي نرى عدلاً؛ لأنه كما قيل للقدماء “سافك دم الإنسان يُسفك دمه”، يبدو أن هذا هو تعليم الله أمس واليوم وغداً، عند البعض …  فهل هذا هو إنجيل المسيح كما تعلَّمناه يا أهل بيت الله؟؟؟!!! أم يكفينا موسى والناموس للكرازة بالخلاص؟؟!!!!

العهد القديم أسماه بولس الرسول “العهد القديم، خدمة الموت، خدمة الدينونة” (2 كو 3 أعداد 7 – 9)، بالمقارنة مع العهد الجديد “العهد الأفضل” (عب 7 عدد 22). فهل لنا أن نراجع الخطاب الديني (أي التفسير) في هذا الأمر؟؟ هل حقا إلهنا يختلف في موقفه من العنف عن آلهة أخرى، أم أنه ذات الإله العنيف … فما الداعي والجاذبية فيه لأن يأتي إليه ويتبعه غير المسيحيين إذن، إن لم يجدوا فيه إلاَّ العنف البشرى ذاته؟؟؟

الرب إذن قد كمّل وثبت “ناموس المحبة” فقط (وليس تعاليم عنف ناموس موسى ولا طقوس الامتناع والذبائح والطهارات والنجاسات  … إلخ). الرب  ثبت الناموس القلبي الطبيعي الذي عاش به الآباء كلهم، وبدون وصية مكتوبة، مئات السنين قبل موسى، بل وعاشت به حضارات أخرى مثل مصر الفرعونية – راجع موقف فرعون مع إبراهيم وسارة عندما كذب إبراهيم قائلا إن سارة أخته، ولكن فرعون خاف ناموس الله في قلبه وأرجع سارة بدون أن يأخذها لحريمه!!!

الرب نفسه صاحب ناموس المحبة والمغفرة قد رفض بكل حزم وشدة كل تعليم القسوة والعنف والرجم والضرب بالسيف وتحريم المدن وقتل الأطفال والرضع، والتشفي في الأعداء، وسبى النساء في الحرب و بيع الناس كعبيد … إلخ، والذي إتبعة اليهود والبشر القدماء (قيل للقدماء … أما أنا فأقول لكم …). بل وكما تؤكد الدسقولية، كما رأينا، أن جزءً ليس بقليل من ناموس موسى هو من تعليم موسى والناس (كولوسى 2 عدد 21 – 22)، وليس الله، حتى وإن كان الله قد سمح لموسى والأنبياء بتقديم هذا التعليم باسمه مؤقتاً لتفعيل حريتهم هم أيضا في إدارة شئون حياتهم، على مضض وليس عن موافقة (كما يسمح الله لنا جميعا أن نخطئ بحريتنا وهو غير راض ولا موافق). وقد يكون هذا العنف قديما لترتيب قيادة شعب غليظ الرقبة في عصر ساده العنف الحضاري.   وهذا ما يؤكده بولس الرسول في تعليمه أيضا.

أعرف أن البعض سوف يضطرب جداً من هذا الحديث، للجرأة الغير مألوفة في المناقشة الصريحة، والضرورية جداً في أيامنا. وذلك لأن هذا الحديث معناه أن الكتاب المقدس ليس تنزيلا من الله ذاته (كما يود ويعتقد الكثيرون لتسهيل المناقشة والحوار مع آخرين!)، والحقيقة أن كتابنا المقدس هو مقدس جداً، و ليس بـ “مكدس” كما أدعى غير العارفين. ولكن قداسة الكتاب ليست مرهونة ومثبتة بكونه “منزّل” وذلك لأن بطرس الرسول يقول إن الوحي عندنا ليس تنزيلاً، بل “إلهاما” لا يلغى حضارة الإنسان ولا لغته أو حرية إدراكه بحسب عصره لذا كتب: “تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس.” 2 بط 1 عدد31. هذا معناه اشتراك الله والإنسان معاً في كتابة الكتاب المقدس. فليس الله وحده كاتب الكتاب المقدس ولا الإنسان وحده. ولكن الله هو الذي أوحى لكتّابه بسرد ما جاء فيه من تاريخ الإنسان الساقط ومعاناته بعيداً عن الله وفرحه مع الله – قصة الحب الإلهي منه لنا، والخيانة البشرية مِنَّا لله، والأمانة الإلهية المذهلة والعجيبة للإنسان بحسب العهد الذي أعطاه الله للإنسان. ولا يتغير الله في عهده بسبب خيانة الإنسان لأنه أبٌ بالحقيقة. وهو أمين وعادل ويعدل معنا ويوفينا حقنا بأن يحقق كل وعوده لنا وفينا وبنا، بأن تجسد في بشريتنا وكرّمها وافتداها من الموت للحياة ومن الضلال للوجود الأبدي، لمجد اسمه العظيم القدوس.

الكتاب المقدس مقدس إذن لأنه قصة الله القدوس معنا، وإن كنا غير قديسين، وليس لأنه منزّل تنزيلاً، ولا لأنه يخلو من أخطاء البشر في رحلتهم نحو الكمال المُعد للمؤمنين. والكتاب المقدس مقدس وصالح لتعليمنا ونموَّنا في معرفة نقائصنا وخطايانا وتخلفنا الروحي والإنساني لنكافح بمؤازرة الله للنمو في كل ما هو إنساني وروحي.

هذا كله يؤكده شرح أستاذ اللاهوت الكتابي د. موريس تاوضروس في كلية اللاهوت القبطية، في كتابه “الوحي والتقليد” صفحة 38، أن “الوحي المقدس لم يكن بالإملاء بل قُدم لنا بأسلوب كتابه (الوعاء الخزفي) والروح القدس الموحِى لهم لم يلغ شخصية الكاتب ولا أثر حضارته المعاصرة”.

خاتمة

إذن الآن، وحتى استعلان مجد الرب بكامله، نُعزِّى أنفسنا بمجد أبنائنا الشهداء، ونستعد لمشاركتهم في أي لحظة الآن إن كنا حقا مستحقين معهم لهذا النصيب المكرّم جدا في أحضان الرب المجيد. وفي الآن ذاته، نطالب بالعدل الحقيقي بـ “الإصلاح التعليمي والتشريعي” في كافة المجالات، لإصلاح المخدوع من ينصت لشيطان القتل متخفياً ومخادعاً، كما لو كان هو الله نفسه. ونطالب بإعدام روح التمييز بين البشر والتعصب والشر من قلوب البشر جميعا بالحسنى. و نطالب بردع من لا يريد أن يتعلم، بـالنصيحة الحسنى ويتوب. ولكن يكون هذا المطلب بحسب وباسم قوانين المجتمع الوضعية. ولا يصح أبداً أن نطالب بإعدام القاتل باسم المسيح أو أقوال العهد القديم (عهد خدمة الموت وخدمة الدينونة) التي لا تتفق مع تعليم العهد الجديد (العهد الأفضل).

وأبناء المسيح لا يتشفون في قاتليهم، حاشا. بل نغفر لقاتلينا في قلوبنا، ونطلب لهم الرحمة من الله ونصلى لهم للعودة للحق والسلامة العقلية والروحية. آمين

التعليقات

16 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة