تدبير الخلاص، أم الهلاك؟ رداً على سؤال الأخ جورج وجدي

ورد للموقع سؤال من الأخ جورج وجدي ولأهمية السؤال فقد أفردنا له موضوعا منفصلا

نص السؤال:

أريد أن أوجه سؤالا للدكتور الفاضل جورج حبيب أليس الله مالئ الكل بلاهوته فهل معني ذلك أن الله حال باقنومه علي كل جسد أم هو حال حلول آخر علي الكل وليس حلول اقنومي فحلول الروح القدس علينا نحن المسيحيين حلول من نوع آخر غير الحلول الاقنومي و هذا الحلول الخاص ليس لسائر البشر بل للمسيحيين فقط وذلك بالرغم من أن الروح القدس يملا الكل بلاهوته إلا أن البشر من غير المسيحيين محرومين من هذا الحلول الخاص أما عن حلول الروح القدس علي السيدة العذراء حال فيها أقنوم الله الكلمة المتجسد الذي يستوجب بالضرورة حلول أقنوم الروح القدس حلولا اقنوميا وذلك لكي يكون صانع الجسد شخص له رتبه إلهية أي أقنوم الروح القدس و ليس شخص اقل منه لأنه لو كان صانع الجسد ليس هو أقنوم الروح القدس وكان شخصا آخر بديلا عنه كملاك مثلاً؛ لكان المسيح ليس هو الله؛ لان في هذه الحالة يكون الذي صنع جسد المسيح هو الملاك الذي له رتبه أدنى من الرتبة الإلهية ولذلك نقول إن الروح القدس حلَّ علي السيدة العذراء في نفس وقت حلول الله الكلمة، وذلك لان الله فوق الزمان أي أنه لا يرتبط بالزمن، فلا يوجد فارق زمني في ولادة الابن وحده من الآب أو في انبثاق الروح القدس وحده من الأب وبالتالي حلول الروح القدس حلول اقنومي يكون في نفس وقت وجود الله الكلمة في أحشاء السيدة العذراء وبالتالي سبب حلول الروح القدس أقنومياً هو وجود الله الكلمة في أحشاء السيدة العذراء وليس قبل ذلك، وكما أن ناسوت المسيح الذي حل فيه أقنومه جعل جسده متألهاً مستحقا العبادة هكذا أيضا لو حل فينا الروح القدس حلولا أقنوميا لجعل جسدنا مستحقا للعبادة إذ أن لاهوت الروح القدس مساوي للاهوت المسيح وهذا يكون غير منطقيا لأننا ليس فينا خصائص الإلوهة كالقدرة علي كل شيء والخلق والكمال في الحكمة والعلم فالملائكة تعرف أكثر من البشر ولهم قدره أعلي من البشر فكم بالأولي الله خالق الكل وهذا ضد أقوال الكتاب إذ أن الإله لا يتغير أما البشر فمتغيرون إذ أن المسيح طيلة حياته لم يرتكب خطيه واحده وذلك حينما قال من منكم يبكتني علي خطيه وقد دعي بالقدوس كما جاء وكذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله وليس عنده تغيير ولا ظل دوران أما نحن فنسقط في الخطية فالبشر يتغيرون ويتحولون من الشر إلي الخير و العكس أما الله الكلمة فليس كذلك ولو حل فينا الروح القدس حلولا اقنوميا فيكون في هذه الحالة تجسد للروح القدس إذ أن المسيح هو لاهوت وروح إنسانيه وناسوت وأيضاً إذا حل فينا الروح القدس حلول اقنومي يكون تجسد لاهوت الروح القدس وروح إنسانيه وناسوت الذي هو جسد الإنسان ونحن لم نسمع قط في الكتاب المقدس عن تجسد للروح القدس ففي النهاية يكون حلول الروح القدس بطرق مختلفة فهو حال في العالم كله و ذلك نتيجة لوجوده إذ قيل عن المسيح في رسالة بولس الرسول الأولي إلي أهل كولوسي 1:16 إذ فيه خلق الكل ما في السموات وما علي الأرض فهو موجود في السماء وعلي الأرض وفي كل مكان بلاهوته وبالتالي هو موجود في الكل ولكن بصوره تختلف عن وجوده فينا نحن المسيحيين وبصورة مختلفة في اتحاده مع المسيح.

والجواب

تدبير الخلاص، أم الهلاك؟

رداً على سؤال الأخ جورج وجدي (التعليق رقم 14)

الأخ جورج:

تحية المحبة في المسيح يسوع ربنا، وفي روحه القدوس.

الأسئلة أو الافتراضات التي قدمتها هي جديرة بالاهتمام، فهي كلها تدور في دائرة الضباب الكثيف الذي أحاط بالفكر الكنسي، وهي كلها تعود إلى:

  1. غياب تام لتاريخ المصطلحات اللاهوتية مثل: جوهر – أقنوم – حلول – ملء، وعدم البحث عن هذه المصطلحات في كتابات الآباء، ولذلك عبارتك: “الله مالئ الكل بلاهوته”، هي عبارة صحيحة، وهي تعني الحضور الإلهي الكامل في كل الخليقة؛ لأن الخليقة كلها هي في الله، ولكن باقي العبارة في شكل سؤال: “هل معنى ذلك أن الله حال بأقنومه على كل جسد .. الخ”؟ وخلف هذه العبارة تجد الضباب الذي نشره أساقفة وغيرهم عن عدم تمييز؛ لأن حلول الله في كل الخليقة وملء الخليقة يعني: الوجود – الحياة – وصول كل كائن من أصغر خلية (أميبا) إلى الإنسان تاج الخليقة وصورة الله ومثاله إلى غاية خلقه، فهذا هو الذي يُبقي ويحفظ الخليقة من العدم.
  2. أمَّا ما جاء به تدبير الخلاص، فهو العلاقة الخاصة التي أُسِّست على اتحاد لاهوت ابن الله الكلمة بالإنسانية – وقد غاب من فكر الذين يكتبون (البعض وليس الكل) أن الكلام عن اتحاد لاهوت ابن الله بالناسوت هو اتحاد: بالرأس – البكر بين أخوة كثيرين – آدم الأخير الرب من السماء، وهي المصطلحات الخاصة باتحاد الإنسانية بيسوع المسيح. لأن:

الرأس هو رأس الجسد الواحد أي الكنيسة.

البكر بين إخوة كثيرين هو آدم الأخير – الرب من السماء (1كو 15: 47) القائم من الأموات بحياة عدم الموت والخلود.

ولذلك يا أخي المحبوب من الله، لا يوجد لدينا في تدبير الخلاص خطاب عن لاهوت وناسوت، بل عن الإله المتجسد الذي جاء وسكن بيننا، أو فينا حسب الأصل اليوناني / القبطي (يوحنا 1 : 13 – 14).

  1. يجب الابتعاد تماماً عن الفكر المتأصل في الميكانيكا وعلوم الطبيعة؛ لأن الله ليس قوة عمياء أو مجرد آلة، بل هو أقانيم الثالوث القدوس التي لها حركة وحياة واحدة. فالله ليس مثل التيار الكهربائي – أنت طبعاً تكتب ولم تقصد ذلك، ولكن بعد عدة أسطر تسأل وربما تعترض وتقول: “لو حل فينا الروح القدس أقنومياً جعل جسدنا مستحقاً للعبادة”. وهذا كلام عجيب حقاً: عبادة من البشر الذين هم مثلك قد نالوا سكنى وحلول الروح القدس … عجيب حقاً.ثم تعود إلى اعتراضات الأنبا شنودة على الشركة في الطبيعة الإلهية، وتردد نفس كلام الأنبا شنودة. ليس فينا خصائص الإلوهة كالقدرة على كل شيء والخلق والكمال في الحكمة … الخ. يا أخي ألا ترى ما هو غائب، وهو جد خطير: إن خصائص الإلوهة التي وُهِبَتْ للإنسان – ولاحظ كلمة وُهِبَتْ – هي: القيامة من الأموات في مجد يسوع (فيلبي 3: 21) – الحياة الأبدية غير الخاضعة للموت – ميراث ملكوت السموات – البنوة. تُرى هل يمكن لمخلوق من العدم أن يكون خالداً ووارثاً ملكوت الله، وينال البنوة بقدرات إنسانية مخلوقة؟!!! هكذا يضيع الخلاص برمته ضياعاً كاملاً؛ إذا قام الإنسان لحياة خالدة بقدرات طبيعية وعاش في الدهر الآتي إلى الأبد بطبيعة مخلوقة من العدم ليس لها شركة في حياة الحي الذي لا يموت أي الله.
  2. حلول الروح القدس فينا يعني:
  • عطية التبني (غلا 4: 4).
  • وأيضاً نصبح هيكل الله (1كو 3: 16، 17).
  • كما نقوم من الأموات (رو 8: 10-11).
  • ونولد من جديد من الماء والروح (يوحنا 3: 5).
  • كما نصبح شركاء الروح القدس (عب 6: 3).
  • ويعلن لنا الروح القدس يسوع الرب (1كو 12 : 3).
  • ويؤهلنا للاعتراف بإلوهية الرب يسوع.
  1. كيف تم فصل كل هذه عن أقنوم الروح القدس. هل تم التبني بالروح القدس كما ذكر رسول يسوع: “أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً أبا أيها الآب” (غلا 4: 4)؛ لأننا هنا لا نقدر أن نتكلم عن آخر غير روح الآب الذي جاء لكي يعلمنا كل شيء ويذكرنا بكل ما قاله يسوع ربنا حسب كلمات الرب في إنجيل يوحنا (16: 13)؟ هل يمكن أن تنسب هذه إلى آخر غير الروح القدس؟ وعندما يقول الرسول: “أنتم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم” (2كو 3: 16)، فكيف يمكن لهيكل أن يكون هيكلاً لله بدون الله؟ وعندما يقول أيضاً إن روح الذي أقام يسوع هو نفسه الذي سوف يقيم أجسادنا في اليوم الأخير، وهو نفس الروح الساكن فينا (رو 8: 11)، فهل يمكن – يا جورج يا أخي – أن تقول أنت أو أي إنسان آخر إننا لا نأخذ روح الله – الروح القدس؟
  2. لقد تجسد الرب من القديسة مريم بالروح القدس – هذا حق – ولكن لماذا؟ لكي يكون آدم الأخير – الرب من السماء (1كو 15: 48)، ولكي يفتح لك ولي باب الميلاد الجديد من الماء والروح. ولكن عندما تفصل بين تجسد ابن الله وتجديد الإنسانية في يسوع … يقفز سؤال أليم جداً: ماذا بقى من المسيحية الأرثوذكسية؟ لقد جاء الاتحاد الأقنومي في تجسد ابن الله بكل سرائر الكنيسة – المعمودية – الميرون – الإفخارستيا – هذه أسرار أو سرائر الانضمام إلى جسد المسيح الكنيسة، وهي عودتنا إلى الحياة الإلهية عديمة الموت في يسوع، وحقاً في يسوع المسيح الينبوع؛ لأن الحياة الإلهية فُتحت لنا حسب التدبير وليس حسب شهوات الإنسان؛ لأن الله ليس تحت سيطرة وسطوة الإنسان، فيستولي على ما لديه، لا، بل هو يعطي حسب النعمة وحسب التدبير. لقد تحولنا في يسوع المسيح من آدم الأول المائت إلى آدم الأخير الحي إلى الأبد (1كو 15: 22). هذا هو ذات تحول الناسوت أو إنسانيتنا نحن في يسوع المسيح.

إن بعض الإكليروس يخاف من هذا الكلام؛ لأن هذا يعطي مقاماً وكرامة إلهية لكل أعضاء جسد المسيح الكنيسة، في حين أنهم يعشقون الاستبداد والتسلط والقهر، ولذلك ينزعون المسيح من أعضاء الجسد، أي الكنيسة؛ لكي يحلو لهم أن يمارسوا خطاياهم ضد أعضاء الجسد، وهذا هو قلب وجوهر العاصفة التي أثيرت حول الأب متى المسكين، وحول كاتب هذه السطور.

لذلك يا أخي: تمسك بالرب يسوع المخلص الذي يعطي لك حياته في الإفخارستيا، وقبل ذلك أعطاك شركة في مسحته في الميرون وفي ميلاده بالمعمودية .. وكم كان عجيباً حقاً عندما قال أحدهم: “إننا لسنا مثل المسيح”، وأنكر التبني – الميراث الأبدي – القيامة من الأموات – شركتنا في الآب (1يوحنا 1 : 1-3)، ولم يقل إن المسيح أعطانا أن نكون إخوته حسب تجديد الطبيعة الإنسانية.

أرجو أن اسمع منك وأرجو أن لا تقل هذا منطقي؛ لأن التدبير له منطق خاص به يفوق منطق الفلسفة، وملامح هذا المنطق تجدها في (1كو 13: 1 – 8)، أي منطق المحبة. كن هيكل الله حيث يحل روح الرب لكي يجعلك أنساناً جديداً المخلوق حسب الله (أفسس 4: 24).

الرب معك

د. جورج حبيب بباوي

تنزيل الملف

The_Providence_of_Salvation.pdf

التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة