مصر وكنيسة مصر – 6 حرية التعبير واستبداد السلطة

في كل بلاد العالم قدرٌ محسوب من حرية التعبير، فلا يوجد في أي دولة حرية كاملة، فالحرية الكاملة هي حلمٌ لم يتحقق في أي عصر من عصور التاريخ الإنساني.

عندما تشتد الأزمات يسمح الحكام بقدر محسوب من حرية التعبير، يُحسب بعناية، فلا يجد الحكام غضاضةً في نقدٍ يتناول مشاكل تحتاج إلى العلاج، أو دراسة خاصة بوضع من الأوضاع ، ويكتب الكل .. ويبقى القرار في يد السلطة الحاكمة.

لا شك أن حجم حرية التعبير خصوصاً بعد ثورة شبكة المعلومات قد زاد عما كان عليه وضع حرية التعبير في عصر الرئيس الراحل أنور السادات؛ إذ شهد عصر الرئيس السابق حسني مبارك زيادة في حرية التعبير وارتفاع حجم المعارضة .. ولكن بقى القرار في يد السلطة الحاكمة، وهي السلطة التنفيذية التي لا تريد أن تسمع أو تقرر؛ لأنها مشغولة “بأمن الدولة”، ومشغولة بخلق فزَّاعات من آنٍ لآخر حتى ينسى الشعب أن القرار هو في يد سلطة مطلقة لا تعرف ولا تسمح بالإستجواب؛ لأن البرلمان جاء بأغلبية تستفيد من خبز مائدة الحاكم….

“تكلم وقل ما تشاء ولكنني سوف أفعل وأقرر ما أشاء”. سمعت هذه العبارة عدة مرات في أروقة الدار البطريركية .. تكلم العلمانيون أو التيار العلماني .. ارتفع الصراع ضد فساد واستبداد القرار وارتفعت حدة الصراخ .. وبقى الحال كما كان .. الكنيسة بنت مصر لا يمكن أن تكون مختلفة في DNA الذي يكوِّن DNA مصر.

هل يمكن تقديم أسقف أُختير ليكون من أهل الثقة إلى محكمة كنسية؟ .. وقبل هذا السؤال، هل لدينا محاكم أو حتى محكمة كنسية يلجأ اليها من وقع تحت طائلة الظلم وأُطيح به في جلسات مغلقة مثل الأنبا أمونيوس أو الأنبا متياس؟

وعندما نسأل عن القانون الكنسي، ليس لدينا إلاَّ مدونة ابن العسال التي يُداس عليها بالأقدام … لأن أقل قدر من قانون كنسي كفيل بأن يعطي أي مظلوم ولو حق الصراخ علانية.

ظل موضوع لائحة 1957 بانتخاب البطريرك مطروحاً لنقاش وحوار في ندوات، ولم يتحرك أحد؛ وذلك لأن الكنيسة استنسخت ذات النظام المصري الشمولي، وأعطته صورةً أو لوناً دينياً كنسياً يضمن له البقاء ويحميه من النقد.

إذا عارضت، فأنت بروتستانتي.

إذا وجهت نقداً، فأنت تنقل عن الغرب.

أما إذا حاولت تغيير مسار الإنخراط في الحراك السياسي، فأنت عميل الحكومة. وهناك واقعة بهذا الخصوص يجب أن تُسجل لأنني شاهد عيان عليها، وهي صدور بيان عن الأحداث الطائفية كُتب يوم أربعاء أيوب ليُقرأ في الكنائس يوم الجمعة، وحمل توقيع القمص مرقس غالي وكيل البطريركية، ولكن النسخة الأصلية لهذا البيان وصلت للرئيس السادات الذي كان على استعداد لأن يرسل د. مصطفى خليل وكان رئيس الوزراء وقتها إلى دير الأنبا بيشوي لكي يقابل الأنبا شنودة ويجيء به إلى القاهرة لصلاة عيد القيامة، وغضب السادات وقال للأنبا صموئيل “تتفاوض معانا وتضربنا في ظهرنا”، فمن الذي كان يعمل مع أمن الدولة؟

ومن الذي كان يقوم بالتحريض على الأنبا غريغوريوس، وعلى كاتب هذه السطور؟ سوف يحين زمان كشف حقائق كثيرة. ومن الذي زوَّر شرائط محاضرات الكلية الإكليريكية في طنطا ونسب إليَّ كلاماً لم أفكر فيه؟

ولماذا تعذر التحقيق في هذه الواقعة بالذات التي ستضع صاحب هذه الشرائط خلف قضبان السجن.

الكنيسة ليست الإكليروس وحده:

أنادي الأحرار الذين يفكرون في المستقبل والذين حُجب عنهم تراثهم الكنسي.

– لماذا يطلب الكاهن والأسقف الغفران من الشعب في القداسات؟

لأن القداسات ليست صلاة الاكليروس وحدهم، ولا يجوز إقامة قداس بدون الشعب.

– ولماذا يجب أن يحصل الأسقف والقس على تزكية الشعب لرسامته؟

لأنه بدون هذه التزكية الرسامة باطلة وغير قانونية ويجب أن تُمنع وذلك بإنسحاب الشعب.

ولو وقف الشعب مع كل مظلوم لخاف الظالم .. لكن بنت مصر آن لها أن تتعلم من ثورة 25 يناير ومن كافة التجمعات الثورية التي أسقطت النظام الذي سمح بقدر من حرية التعبير واحتفظ باستبداد القرار.

عبارة “قل ما تشاء أما أنا فسوف أفعل ما يرضيني”، يجب أن تتغير إلى “سنقول ونفعل ما يجب أن يكون لمصلحة الكنيسة ومستقبل الآتين بعدنا ..”.

قلبي يحدثني بأن الإنفجار المعلوماتي الآتي سوف يمس رؤس الكثيرين، وسوف تسقط أسماء كثيرة في وحلٍ لن يصدقه شعبنا الكريم، وعند ذلك سيكون الصمت هو صمت “المنبطحون” الذين استسلموا لسكين الجزار لأنهم أسقطوا هوية أبدية، هي رتبة التبني في المسيح.

التعليقات

4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة