رداً على سؤال أحد القراء: ختان الرب بالجسد – ماذا حدث للغرلة؟

يبدو أننا فعلاً أحفاد الفراعين عندما نفكر في الموت. ليتنا نكون أحفاد الرسل والشهداء عندما نفكر في الحياة الجديدة التي جاء بها الكلمة المتجسد. ليست الغرلة فقط – قارئي العزيز – بل أيضاً الدم الذي سال على الجلجثة، ولذلك ترى الفنان الأرثوذكسي وقد رسم جمجمة آدم أسفل الصليب .. لماذا نفكر بفرعونية ولا نفكر بأرثوذكسية؟ لقد جاء الكلمة وتجسد لكي يجدد كل “ذي جسد”، وصار كل ذي جسد يسمع دعوة الكلمة المتجسد: “خذوا كلوا هذا هو جسدي”، ولكننا لا نزال نسأل – بفرعونية – عن مصير الجسد الذي نأكله في السر المجيد، كأننا نأكل لحم بشر مثلنا – حسب تعبير نسطور – ولكن إذا كنا نفكر بحسب قلب الرسل والشهداء والآباء، فإننا ندرك أن اتحاد الرب الكلمة بالجسد الإنساني قد أدخل عنصرَ حياة لا تموت في المائت أي الإنسان.


بهذا الاتحاد دخل الناسوت مجال حياة جديدة، وهذه حياة تحول المائت إلى غير مائت والترابي إلى سمائي. حسب تسليم الآباء، الإنسان الجديد الحي القائم من بين الأموات ليس له ذات التركيب البيولوجي السابق على القيامة؛ لأن الأعضاء التناسلية لن يكون لها وجود أو استعمال حسب قول الرب يسوع نفسه: “لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السموات”، وبالطبع لا يوجد حبل وولادة. لقد سبق الرب يسوع لأنه البِكر المتقدم علينا في كل شيء في أن يصبح الرب المحيي والإنسان الجديد أو آدم الجديد، آخر مراحل تطور الإنسان. ولذلك، فما قُطع من جسده وما سال من دمه، دخل دورة الكون الجديد لكي يتحول إلى ما هو جديد في مجد القيامة أو حسب تعبير الرسول: “جسد مجده” (فيلبي 3 : 12). وهنا، الجسد ليس محسوباً باللحم واللون والعظام والشعر .. لقد أبقى الرب حقاً على هيئة جسده الإنساني، وقال للرسل “الروح ليس له عظم ولحم”؛ لكي يؤمن التلاميذ بالقيامة. ولكن هذه الهيئة تغيَّرت تماماً لأنها ذات الهيئة التي دخل بها الرب قدس الأقداس “الذي لم يدخل اليه ذو طبيعة جسدية” (قسمة سبت الفرح). وإذا انتقل الوعي القبطي من الفرعونية إلى الأرثوذكسية وهو ما سجله الأب صفرونيوس (قبطي أرثوذكسي قح) في رسالة قصيرة عن الإفخارستيا، حيث يكتب للأب صفنيا مؤكداً أن [“جسد الله الكلمة هو جسد حق ومأكل حق” لأن الجسد الإنساني قبل التجديد الذي جاء به الله الكلمة ليس جسد حق، بل جسد قابل للموت فَقَدَ “حق الحياة”، ولكن جسد الكلمة الحي هو جسدٌ حق؛ لأنه غلب الموت. فلا يجب أن نأتي بكلمات وأوهام جسد البشر الخاضعة للموت وننسبها للرب؛ لأن الرب استوعب الطبيعة الإنسانية وجدَّدها في أقنومه الإلهي المتجسد؛ لأن التجديد تم في آدم الأخير (1كو 15 : 45) فهو جسدٌ حق؛ لأنه لا يعرف الزور والكذب وتحوُّل الخطية الآتي مع الموت، وهو جسدٌ حق لأن الكائن الحق حوَّله في كيانه إلى جسد حق.
أمَّا عن سؤال الأخوة: ماذا يحدث للجسد والدم بعد التناول؟ فهؤلاء يجب أن يفكروا بطريقة سمائية؛ لأننا لا نأكل طعاماً مادياً قابلاً للفساد، بل الجسد المحيي جسد الله الكلمة الذي يطرد كل فساد فينا. وعندما نوزِّع جسد الرب، فإن الرب لا ينقسم لأن الانقسام هو من خصائص الموت، أما قوة القيامة، فهي توحِّد. لقد بكى الرب ونزل عرقه مثل دمٍ، وسال دمه على الجلجثة، وهذه هي صفات الجسد المتحول حسب التدبير الى عدم الموت، وإذا فَقَدَ شيئاً قبل القيامة، فهو يُفقد حسب التدبير مثل الأظافر والشعر والعرق والدم … الخ. لأن هذه لا تأخذ من اللاهوت إلَّا ما يشاء اللاهوت أن يعطي، وهو عندما يحول جسده الى عدم فساد، فهو يحوِّله حسب التدبير معطياً إياه أن ينمو “تدبيرياً” نحو مجد القيامة.
الإتحاد الأقنومي ليس اتحاداً مفروضاً على اللاهوت ولا على الناسوت، بل هو اتحاد محبة واتحاد طبيعتين حسب إرادة الرب وحسب قصد تدبيره.
ونحن السائرون نحو قيامة الجسد نتناول لكي نتحول حسب التدبير إلى عدم فساد حسب إرادة وعمل الرب يسوع فينا متحدين به كله؛ لأننا لا نأخذ جزءاً من المسيح بل المسيح كله حسب تعليم الكنيسة (المودع) في (الليتورجية) الخدمة الإلهية”.
صفرونيوس يطلب صلواتكم عني] (القاهرة 1988).
وهكذا أرجو من القارئ أن يدقق في قراءة رسالة الأب صفرونيوس، وأن يقرأ بعناية العظات الروحية للقديس مكاريوس الكبير حيث وردت إشارات كثيرة في جسد القيامة.
في العصر الحديث، وعند أساتذة اللاهوت الأرثوذكسي تحوُّل الكون كله السماء والأرض يتم في المسيح، ولكن لا يزال ينقصنا أن نكتب عن المسيح الكوني Cosmic Christ لأن تحوُّلنا نحن هو مثل الخميرة التي تخمر العجين كله، وفينا نحن تشرق الحياة الجديدة لأننا الباكورة في يسوع رب المجد. ولذلك، كل مرة نتناول فيها جسد ودم الرب، يدخل عنصر الحياة الجديدة إلى الكون كله؛ لأننا نتحول ومعنا الخليقة على النحو الذي نراه أحياناً في حياة بعض القديسين والشهداء الذين اشتعلت اجسادهم بنار مرئية مثل أبا نوفر وغيره ….
الرب يعطينا ميراث آبائنا والعقل والقلب الذي يشبع من صلوات الكنيسة لكي نتوهج بنار المحبة مثل مكسيموس ودوماديوس ومينا المتوحد وغيرهم.

د. جورج حبيب بباوي
14 يناير 2013

التعليقات

4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة