ذكرى نياحة قداسة البابا كيرلس السادس – ذكريات وحوار

اسم الرب يسوع:

البابا كيرلس السادس

لم تَغِب عن قلبي؛ لأنك بجهد قليل، جعلتني أُحب صلوات الكنيسة أم الشهداء. لا تزال هذه الكلمات التي سمعتها لأول مرة ربما في 1957 :”احفظ الإبصاليات لكي تحفظك وتحفظ قلبك في محبة الرب يسوع”، أقول لا تزال هذه الكلمات ترن في عمق أعماق قلبي، وتمر سنوات قبل أن أستوعب هذه الحقيقة التي ذكرتها لي مرة أثناء رفع بخور عشية، وكان المرض والتعب قد حل بي ضيفاً، وكانت العبارة: “اسمك طيب مسكوب”، ونظرت إليَّ بإشفاق وقلت: “الطيب المسكوب” في اسم الرب هو حضوره الإلهي بالروح القدس، عارف ده”؟ ونزلت الدموع من عينيك، ثم قلت: “اسم الرب يسوع يكفي ليشعل قلب أي محب بنار روحية أبدية لا تقوى عليها الخطية”. وهو أصله مش اسم زي أي اسم، ده اسم الخلاص”. وسكَتَّ لأنك كنت تريد أن تعرف إن كنت أفهم .. كنت في بداية الطريق، وبعد هذه السنوات لازلت في البداية … وأمسكت بيدي وسرنا نحو مقصورة مار مينا، ثم قلت: “اسم الرب يسوع هو اللي جمع كل ده: مار مينا، وأنت، وأنا؛ لأنه اسم الحضور الإلهي فينا. مُش إحنا بنقول عمانوئيل إلهنا في وسطنا الآن بمجد أبيه، يعني هو ده كلام ولا دي الحقيقة اللي أعلى من الكلام”.

“مُش قادر تصلي علشان تعبان؟ لازم اسم الرب يسوع، ولو كلمة واحدة: يا يسوع؛ لأن الملاك قال للست العدرا (العذراء مريم) ويدعى اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم”.

“الرب لما يسمع اسمه، بيسمع واحد خروف من خرفانه زيك بينادي عليه، فلا يتركه في خطر لأنه الراعي الصالح الذي يبحث عن الخروف، فكيف ينسى خروف بينادي عليه”؟ وتمر السنوات، ويبقى الاسم “طيب مسكوب”.

يديه الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس:

هي الكلمات التي تسبق تقديم الرب جسده، وسمعتها مرات عديدة .. ولكن كعادة أبي الروحي يسأل إن كنت أفهم. ولما سألني قلت: “الطاهرتين اللتين بلا عيب”، هي إشارة إلى حمل الفصح الذي بلا عيب”. وابتسم ابونا مينا .. “ثم سأل طيب وبلا دنس”؟ ولم أجد إلَّا الإجابة السريعة: “لأن الرب بلا دنس”. فقال: “مش كفاية”، ثم أضاف: “بلا دنس؛ لأن الله إللي بلا دنس، هو وحده الذي يرفع ويغسل دنس الإنسان. الدنس اللي فيَّ واللي فيك، وهو الغسل اللي احنا بناخذه في السر المجيد”.

لاهوته لم يفارق ناسوته:

قال لي عندما سألته: لماذا يضع صينية الحمل فوق رأسه عند الإعتراف الأخير. وبدا متردداً ولكنه نظر إليَّ في عطفٍ، وقال: “يا ابني ده عظمي بيترعش لأن رب المجد سيد الأرض والسماء الجالس على الشاروبيم أمامي أنا العبد الخاطئ وأنا بقول لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة، واعترف إلى النفس الأخير. يعني دي كلمات نارية عن لاهوت الرب الذي لا يفارقنا نحن الخطاة لأنه محب البشر الصالح. المسيح إلهنا يكشف ليك مجد أسراره المحيية”.

“النعمة غلبت الموت والدينونة رفعها والخطية مش أقوى من نعمة الرب يسوع علشان كده أحنا بنقول في القداس: “حيثما كثرت الخطية ازدادت النعمة”. قوة الخطية في اليأس وانعدام الرجاء، لكن قوة النعمة في الحياة الأبدية بالرب يسوع المسيح”.

وبعد يا أبي، لا زلت معنا لأنك بالصلاة وحَّدت ذاتك بكل الكنيسة، وأنت شفيعٌ في المظلومين لأنك ظُلمت، وكنت تردد في تحليل نصف الليل بصوت عال: “احكم للمظلومين”. لقد طالت سنوات الظلم، ولكن غزارة الرحمة لم تنقطع لأننا لا زلنا ننشد: “مراحمك يا إلهي كثيرة جداً ..”.

المحبة لا تسقط أبداً:

في حديث أذكره؛ لأنه كان في رفاع صوم 1958 وبعد القداس كان مشغولاً بأمرٍ ما، فهو قليل الكلام. كنت أحترم صمته وكنت أهاب وجوده، ولذلك إذا كان لديَّ سؤالٌ، فهو دائماً عن الطقس والليتورجية، أمَّا عن حياته الخاصة فلم أتجاسر ولا مرة واحدة أن اسأل إلَّا إذا قال هو شيئاً خاصاً. وعندما أعطاني قربانة حمل كاملة قال لي: “جعان؟” فقلت نعم. قال: “كل القربانة كلها وخليك طيب القلب سيب بركة للست الوالدة (يقصد أمي). وقال: “الجوع أصلاً في القلب وفي العقل، وأصل الجوع هو طلب النفس لله لكي يعطيها الحياة الأبدية، لكن مع جوع العقل لله ينشأ جوع الجسد للطعام لأن الطعام ضروري للبقاء في هذه الحياة الترابية. المحبة الإلهية هي شبع العقل والجسد معاً والمحب يصوم بدون تعب؛ لأن القلب مشغول بما هو أهم”. وصَمَتَ كأنه يسترجع ذكرى معينة. ثم قال: “أبونا عبد المسيح المسعودي كان يقول للرهبان: “المحبة لا تسقط أبداً”؛ لأن السقوط هُدِمَ بالصليب، والقيامة رفعتنا للحياة الأبدية ولذلك كان يعزِّي الرهبان بأن عدم محبة الإنسان لا تغيِّر محبة الرب يسوع؛ لأن الرب يسوع لا يمكن أن يفقد أمانته؛ لأن أمانة الرب هي دمه وجسده. ولذلك في أوقات التعب والكسل علينا أن نرتمي في بحر محبة الله”، ثم قال: “يا يسوع يا ربي يا محب البشر، المحبة لا تسقط؛ لأنك أقمت المحبة من السقوط الآدمي وجعلتها قوة الشركة”.

“مَن يُحب، يصوم بلا تعب”.

القمص مينا المتوحد

صلِّ لأجلنا لكي يرفع الله الظلم.

ابنك

جورج حبيب بباوي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة