صلوات القسمة الأرثوذكسية

وصلتنا رسائل عديدة من أكثر من شخص عن صحة وأرثوذكسية عدد من صلوات القسمة التي تُقال في الكنائس الآن، وهل من حق أي مطران أو أُسقف أو قمص أن يؤلِّف صلاة للقسمة خاصة به؟

والجواب -كما سبق وأشرنا في مقال سابق نُشِرَ في مجلة الرسالة التي كان يُصدرها الراحل الكريم د. رودلف يني بعنوان: مَن أضاف صلاة قسمة كاثوليكية إلى الخولاجي القبطي؟- وذكرنا أن البنية اللاهوتية Structure يجب أن تنحصر في دائرة التدبير وحدها، للأسباب الآتية

أولاً: لأن تقسيم جسد الرب هو جزء لا يمكن فصله عن استعلان العهد الجديد وتدبير تجسد ابن الله وصلبه وقيامته. ولذلك، إذا توقفت الصلاة عند الصليب وحده، ظهر لونها وتاريخها الوافد من العصر الوسيط؛ لأن الصلب ليس وحده هو استعلان الابن. كما أن حصر الانتباه في آلام المسيح الجسدانية ومعاناة جسده ليس معروفاً في صلواتنا الأرثوذكسية، مثلما يُشكِّل هذا، القسم الأكبر من صلوات الكنيسة الكاثوليكية.

ثانياً: من الصعب علينا أن نرى أي أرثوذكسية في صلاة قسمة تدور كلها حول والدة الإله، بحيث تصبح هي مركز الصلاة، كما هو وارد في بعض صلوات الكنيسة الأثيوبية؛ لأن والدة الإله، بالرغم من أنها هي الشاهد على تجسد ابن الله، ليست هي الموزِّع، ولا هي الواهب لجسد الرب ودمه، ولا هي الذبيحة، بل هي فقط شاهدٌ؛ لأن الذي أمامنا والذي يقسِّمه الكاهن هو جسد عمانوئيل الذي لا يجوز الكلام إلَّا عنه.

وفي صلاة القسمة “هوذا كائنٌ معنا اليوم على هذه المائدة …”، توجد عبارة واحدة عن القديسة مريم كشاهد على حقيقة تجسد الرب، أمَّا باقي الصلاة، فهي المنظر السمائي الوارد في سفر الرؤيا الذي يقف عنده الكاهن والشعب لكي يقول الكل: “آمين هلليوياه”.

أخيراً: إن ضبط المعاني والكلمات يجب أن ينطبق على الممارسة؛ لأن القاعدة الآبائية القديمة: “نحن نمارس ما نصلية ونصلي ما نمارسه“، معروفةٌ منذ زمن القديس إيرينيئوس، ولذلك، عندما تكون الممارسة هي تقسيم الجسد، يجب أن تكون الكلمات عن الجسد والدم وعن أعمال الله الكلمة مخلص الكل. ما زاد على ذلك ليس إلَّا شطحات تقوية لا تنفع، بل قد تصرف الانتباه عن السر نفسه.

عليننا أن نتذكر أننا نسبِّح ربَّ القوات مع القوات السمائية “المملؤة أعيناً”، أي التي لها رؤية شامة؛ لأن الاسم العبراني الآرامي القديم للملائكة هو “عيرو”، وهو يعني “الانتباه”، أو “اليقظة”. لذلك علينا أن ننتبه إلى ما في أيدينا، وما هو على المذبح، وأن يكون لنا التصاقٌ بالرب يسوع وبعطية محبته، أي الجسد والدم، وأن نصلي صلاة قسمة تدخل بنا إلى سر التدبير، أمَّا أي صلاة أخرى توجِّه الانتباه إلى غير المسيح، فهي بلا شك ضارة رغم ما قد يبدو على السطح من أنها تمجد القديسين أو تشرح جانباً تاريخياً، والمثال الصارخ على ذلك، صلاة قسمة اسحق التي دخلت خلال الـ 100 سنة الأخيرة -وهي غير صلاة القسمة المعروفة- والتي تتكلم عن رجل الله إبراهيم مع وصفٍ كامل مثير لمشاعر الأبوة، دون أن تذكر أن تقديم اسحق كان رمزاً للمسيح الذي مات لأجلنا، كما أن حوار إبراهيم أب الآباء مع ملكي صادق الوارد في هذه القسمة هو حوارٌ لا يجوز بالمرة لمن يمسك في يديه جسد الرب ويقسِّمه.

بالطبع، لم نذكر أنواع وأسماء هذه الصلوات التي ذاعت حديثاً؛ لأن الهدف ليس هو إحراج الذين ينشرون هذه الصلوات، بل الرجاء أن لا تمتد أيدينا إلى صلواتنا الليتورجية حتى لا تضاف صلوات تصرف الانتباه عن الرب نفسه الحاضر معنا والكائن على المذبح يوزِّع جسده بنفسه، ويعطي كأس محبته.

أرجو أن أكون أجبت على السؤال الذي ورد إلى الموقع من بعض الأخوة القراء، بارك الله انتباهكم لأن ما تبقى لنا في هذه الدنيا هو “واحة الليتورجية” التي لا نريد أن نرى فيها أشجاراً غريبة غير تلك التي غرسها الآباء.

التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة