عتيق يسوع – ملاحظات للأحباء

تابعتُ بشغفٍ الحوار الدائر على موقع الدراسات القبطية بين الأخ مجدي داود والأخ سوستانيس. ولا أخفي إعجابي الشديد بالأسلوب والرؤيا واللغة العربية الجيدة جداً، أو كما كان يقول طه حسين: جداً جيدة.

لا ضرر بالمرة من استخدام أي تعبير طالما “أن هذا التعبير يخدم التدبير، ولا يقود الوعي إلى دائرة الابتعاد عن الخلاص الأبدي الذي له ثوابت”، فهو:

أولاً: الخلاص الأبدي ليس مسألة أو قضية فكرية، بل هو تحوُّل الكيان الإنساني: الجسد والروح من الموت إلى الحياة، وهو تحولٌ يقضي على الموت وعلى الخطية التي أدخلت الموت إلى الحياة (رو 5: 12).

ثانياً: الخلاص هو شركة حقيقية وليس موضوعاً يتأمله العقل وحده، بل هو تعليم نسمعه ونقبله بالعقل والإرادة، وما نقبله هو ما نأخذه نحن، وهو عطية الحياة الأبدية التي تُعطى للجسد والروح معاً؛ لأن ثنائية الجسد والروح هي ثنائية يونانية لم يكن يعرفها الرب ولا الرسل؛ لذلك فالخلاص ليس مسألة فلسفية، بل هو مسألة حياة ومصير؛ لأن الفكر اليوناني القديم السابق على رب الحياة لم يكن يقبل القيامة من الأموات. إذن الشركة هي نقل حياة وليس فكرة عنها فقط، بل عطية، والعطية هي من رب الحياة وبالروح القدس، وتعطى فعلاً لكل كيان الإنسان.

ثالثاً: عندما يقول رسول الرب: “في آدم يموت الجميع”، فقد علَّمنا عن ماضي الإنسانية، ولكن ذلك الماضي أخذ انعطافاً جديداً؛ لأن “في المسيح سيُحيا الجميع”. وفي المسيح نحيا لأن يسوع جدد العتيق، ليس بالإبادة؛ لأن الإبادة هي الغنوصية، أي القضاء على العتيق أو القديم، وأول ما هو قديم وعتيق هو الجسد، ولكن لئلا ننسى، العتيق له خالق هو الثالوث، والآب الذي خلق الكل بيسوع الكلمة (يو 1: 1 – 3)، لا يبدد الخليقة، بل يعطيها حياةً لكي تحيا من جديد. والمحور الحياتي يدور حول يسوع، فهو “القيامة والحياة”، وهو لذلك، لم يقدم لنا ما خُلِقَ من العدم، بل ما تكوَّن في أحشاء البتول “لحماً ودماً”، فالكلمة صار جسداً لكي يأخذ العتييق الذي لنا ويجدد هذا العتيق فيه هو متحداً به.

وعندما خاف في بستان جثيماني، يشرح أثناسيوس العظيم: “الخوف هو خاصٌ بالجسد؛ لذلك نطيق بهذا الكلام: “إن أمكن تعبر عني هذه الكأس” (مت 26: 29) كإنسان، ومع ذلك فهو نفس الشخص الله الذي أراد أن يخلصنا، والإنسان الذي يخاف لأن الجسد له الطبيعة البشرية الضعيفة التي اتحد بها؛ لكي يبيد هذا الضعف، ويعطي لكل إنسان شجاعة أمام الموت … لم تكن الإلوهة التي فيه هي التي تخاف، بل كان خوفنا نحن الذي نزعه المخلص، لأنه كما أباد الموت بالموت وبكل الوسائل البشرية أبطل ما للإنسان … وأعطى البشر ألَّا يخافون الموت …” (ضد الأريوسيين 3: 57). هكذا حدث التحول في كيان يسوع.

رابعاً: أمَّا علامة وفخر المحبة الأبدية، فهي الاتحاد الأقنومي الذي لم يكن اتحاداً ميكانيكياً، بل كما يقول أثناسيوس: “بازدياد الكلمة في القامة، كان يزداد فيه ظهور اللاهوت … فالتقدم ليس للكلمة … ولكن الناسوت هو الذي تقدَّم في الحكمة وارتفع تدريجياً فوق الطبيعة وتألَّه” (المرجع السابق: 53).

ونحن على ذات المثال نتدرج وننمو في المعرفة، ولا يموت القديم أو العتيق، بل يتجدد، وعبارات الرسول: “مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ” هي دستور الحياة الجديدة التي يفقد فيها الماضي سلطانه تماماً. لقد جاء المسيح للشفاء لا للبتر، وللتجديد لا للقتل، ولرد ما فُقِد لا لكي يبدده، يعطي له الحياة وميراث الملكوت الأبدي ….

أرجو أن يستمر حوار المحبة

دكتور

جورج حبيب بباوي

مارس 2014

التعليقات

3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة