رسالة عيد القيامة 2014 – المسيح قام، بالحقيقة قام

أيها الآباء والأمهات والأخوة والأخوات. المسيحُ قام. حقاً قام.

لقد عجزت القوة الغاشمة أن تقهر المحبة؛ لأن المحبة لا تُقهر. وعجز اللسان الذي تسلح بالقوة العسكرية أن يقتل الحرية؛ لأن الحرية لا يمكن أن تُقتل. قد تطارَد وينالها كل تطاولٍ ممكن، ولكنها تظل ثابتةً في نداء الحياة الذي لا نداء غيره يُغري الإنسان بأن يقبله ولو مات. فالحرية لم تحيا إلَّا بالدم، ولقد صدق الشاعر التونسي:

وللحرية الحمراءُ بابٌ

بكلِّ يدٍ مضرَّجةٍ بالدماءِ يدقُّ

فلا توجد سلاسل تستطيع أن تقيد العقول. قد ترسف الشعوب في أغلال العبودية، ولكن ليل العبودية في تاريخ الشعوب قصير، فلا بُد أن ينفجر فجر الحرية ويطوح -كسيلٍ جارفٍ- بكل السدود.

لقد صُلب المسيح يسوع كمَن يدَّعي مُلكاً، وعُلِّقَ بين لصين، وحكم بيلاطس باسم الامبراطورية الرومانية -وهي أكبر قوة في ذلك الزمان- بصلبه كمجرم، أو كثائر على الامبراطورية ..

وحسب نظرة بيلاطس، مات يسوع، ولكن حسب تدبير الله، فهو أي الله، الطرف الثالث الذي لم يحسب له الغير حساب. اليهود والرومان معاً هما معاً الذين صلبوا الرب، ولكن الله هو الطرف الثالث في كل مأساة، هكذا نقرأ مراثي أرميا في يوم الصلبوت ومعها نبوات العهد القديم .. وما النبوات إلَّا ذلك الخط النبوي غير السياسي الفاقد السلطة المدنية الذي لا يعرف إلَّا سلاح الكلمة.

والنبي يرى ما لا يراه الحاكم. هو يرى الغد، بينما الحاكم يرى اليوم. السلطة ترى ما هو قائم وحادث، ولا ترى ماذا سيحدث في المستقبل. ولذلك لم تُهزَم إلَّا الشعوب التي سجنت نفسها في الماضي، ولم تندثر إمبراطوريات إلَّا تلك التي نامت على وسادة القوة.

لكن يسوع، ذلك الآتي من الجليل، يحمل في كيانه تجسيد النبوات، كان يقول إنه “لن يهلك نبي إلَّا في أورشليم”، حيث الهيكل وحيث السلطة الدينية القديمة التي فقدت النبوة، وسجنت نفسها في طقوس وعوائد موسى، وبالرغم من ذلك قال للسامرية إن السجود بالروح والحق ليس على جبل السامرة، جبل جرزيم، ولا حتى في اورشليم (يوحنا 4: 21-24)، بل بالروح والحق، ولذلك صُلِبَ الربُّ خارج أسوار اورشليم حيث لا تقدَّم ذبائح، ولاوجود للهيكل. صُلب خارج اورشليم؛ لأن ذبائح العهد القديم -تلك التي تقدَّم حسب الشريعة- لا علاقة لها بصلب الرب. هكذا صرخ رسول المسيح في (عب 10: 1-8)، ولكن تلك الصرخة ضاعت في ظلام العودة إلى القديم، بينما هو يقول:

– “بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسر …

ثم

لم تُرِد ولا سُررت بها” (عب 10: 6-8).

ولاحظ -عزيزي القارئ- أن المسرة هي في الابن الوحيد: “هذا هو الذي سررت به”. لقد نزع الأول العهد القديم لكي يثبِّت الجديد (عب 10: 9)، ولكن ما زالت نزوة سَجن الإيمان في الماضي، في أحداث التاريخ، تراود البعض، رغم أن التاريخ صار “مسرح الإرادة الإلهية” كما قال أغسطينوس.

الرب قام أيها الأحباء، لكي لا نعود للماضي، وما هو الماضي الذي يحذِّرنا الرسول منه: “لا يكون لنا ضمير خطايا” (عب 10: 2).

الغفران ليس فقط رفع عقوبة الموت، بل الغفران هو أن نترك نحن ما علينا، وأن لا نسمع للماضي بأن يحكم الحاضر؛ لأن الماضي حكم الحاضر، فصَلَبَ البريء، وفقد القيامة. لكن الصليب صار قوةً بالقيامة. الصليبُ ليس حدثاً خاصاً بيوم الجمعة، بل هو استعلان القوة الغالبة التي ذَبحت الموت.

الفرح بالقيامة هو فرح بما هو آتٍ، أي بالمستقبل الذي نراه مستقبل الحياة الغالبة، النضوج في المحبة، وغلبة أعتى قوة مدمرة للإنسان، وهي الكراهية، وهي قوة الشيطان الذي يُوصف بأنه المهلك والمشتكي. لذلك يقول النزينزي: “المسيح قام لنقبِّل بعضنا”؛ لأن القيامة جاءت بالحياة الحرة من البغضة، فقد رفعت الدينونة، والموتُ أُبيد، والقبر فارغٌ، لا يحتوي الإنسان، بل الجسد إلى زمان القيامة، أي قيامتنا نحن في يسوع.

كل عام وأنتم بخير. خير القيامة الذي جاء مع الحي الغالب، مع يسوع رب الحياة.

د.جورج حبيب بباوي
إبريل 2014

التعليقات

3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة