تقوى مزيَّفة بلا أساس لاهوتي –6

كيف تحوَّل المسيح رب الحياة إلى فكرة في نظام عقلي؟

أعود إلى الإفخارستيا، ذلك السر العظيم الذي للتقوى الحقيقية، وهي عبارة (1تيمو 3: 16)، وأصلاً: “الله ظهر في الجسد”. ولكن هنا في الليتورجية، هي عن استعلان شخص المسيح في وسطنا بالروح القدس وبعطية الجسد والدم. عطية شخصية، أي أقنومية.

كانت دراسة السنة الدينية اليهودية، وتسمى أحياناً السنة الليتورجية، هي أساس الإيمان في إسرائيل القديم السابق على تجسد ابن الله، فهي سنة:

– احتفالية تقوم على أعياد مثل الفصح – المظال … الخ.

– وهي سنة تكوَّنت من خلال خبرة ومعايشة الشعب في رحلته مع الله خالقهم وراعيهم العظيم.

وحول هذه السنة، نسجت الجماعة التراتيل المعروفة عندنا باسم المزامير – آساف – بني قورح – داود. والمزامير ليست كلها لداود، ولا نعرف على وجه الدقة إلَّا القليل الذي كان يُرتَّل في الهيكل؛ لأن هيكل سليمان هُدِم، وعندما عاد الشعب من السبي مرت العبادة بتطورات كثيرة هي محل دراسة الطلاب في معاهد اللاهوت.

– كانت السنة الدينية احتفالاً بالعبور وبخلاص الشعب وبمواعيد الله. هنا يجب أن نذكر أن العبادة اليهودية هي المكوِّن الأول للهوية اليهودية، وما جاء في أسفار اللاويين والتثنية، وبعد ذلك شُرِحَ بشكلٍ متسع جداً في المشنا كان له هدف واحد، وهو فصل الجماعة العابدة لله الواحد عن العبادة الكنعانية. ولذلك إذا قرأنا بعض الأمور التي تبدو شاذة في نظرنا الآن، مثل عدم زراعة حقل بنوعين من المزروعات، أو عدم لبس ملابس من ألياف مختلفة؛ فذلك لأن الهدف كان هو حصار “الاختلاط” وتحريمه؛ لأنه أولاً خاص بعبادة الخصوبة Fertility وهذه العبادة لها تفاصيلها في العبادة الكنعانية التي اندثرت أغلب وثائقها. ومن ضمن الأمور المثيرة للدهشة: لماذا تحرم الشريعة الموسوية طبخ اللحم مع اللبن؟ الذي زار لبنان يعرف أنهم يطبخون على الطريقة الكنعانية القديمة جداً طبخة باسم “لحم بلبن أمه” وهو لحم مطبوخ باللبن. وتحريم ذلك لأن هذه الوجبة بالذات كانت أهم وجبات الاحتفال بالإلهة عشتاروت إلهة الخصوبة عند الكنعانيين (أسلاف السوريين).

– الاحتفاليات السنوية كانت مرتبطة بالتاريخ وبالشريعة والكهنوت والهيكل، ولذلك يقول رسول الرب في العبرانيين: “لأنه إذا تغيَّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغيُّر للناموس (الشريعة) أيضاً” (عب 7: 12). وقبل ذلك يقول الرسول إن الشعب قبل الكهنوت لأنه كان يخدم الشريعة، وهنا النقطة الفاصلة بين اليهودية والمسيحية؛ لأن الرب يسوع “طلع من سبط يهوذا الذي لم يذكر أو يتكلم عنه موسى شيئاً من جهة الكهنوت (عب 7: 14).

إذن، كانت الاحتفاليات حلقة غير قابلة للكسر، وكان تجاوزها لتدبير التبني أمراً ضرورياً لكي يأتي “يسوع ضامناً لعهد أفضل .. يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول” (عب 7: 22-24)، لكننا لم ننتبه إلى قوة عبارة الرسول، إن الله نفسه نزع العهد الأول “ينزع الأول لكي يثبت الثاني” (عب 10: 9).

وهنا مفترق الطرق.

احتفاليات العهد الجديد:

الذين درسوا تاريخ العبادة، وبالحري الليتورجية المسيحية، اكتشفوا أنها تطوَّرت ونمت مع رحلة الكنيسة. لكن رغم أن الجانب التاريخي الذي تقدِّمه وثائق القرن الثالث والرابع والخامس، بل وما بعد ذلك، تؤكد لنا وجود تطور، إلَّا أن الجانب اللاهوتي الذي يبدو كما لو كان مماثلاً للاحتفالات السنوية اليهودية هو في حقيقة الأمر مختلف تماماً، وهو ما يظهر فيما يأتي:

أولاً: كانت أقدم الاحتفالات أسبوعية تنتهي بيوم الرب، أي يوم قيامة المسيح، وكان صوم الأربعاء والجمعة هما أقدم الأصوام، ويليهما في القِدَم الصوم الأربعيني، لكن كان كل “يوم أحد” وهو الاسم المدني Civil قد طغى على الاسم اللاهوتي وهو “يوم الرب”، وهو أقدم اسم للاجتماع الأسبوعي الذي -في الحقيقة، بسبب قيامة الرب- أبطل شريعة السبت؛ لأن الاحتفال هنا هو بــــ:

– نهاية الموت.

– نهاية الدينونة.

– استعلان الخلقة الجديدة.

– هبة الحياة الأبدية وغفران الخطايا.

– قيامة الأجساد في يوم مجيء المخلص مرة ثانية، أو حسب تعبير الليتورجية “ظهوره الثاني”؛ لأنه ظهر قبل ذلك في الجسد.

ولعل كل مَن يدقق في هذه الهبات، يجد أنها أعمال الرب الخلاصية التي تُوهب بالروح القدس، والتي تُستعلَن في القداسات الأرثوذكسية.

ثانياً: تختلف العبادة أو الليتورجية المسيحية عن تلك التي في العهد القديم في عدة أمور هامة:

1- إن مركزها وحركتها واستعلانها هو الرب يسوع المسيح. فهو المركز؛ لأنه هو الذي جاء بهذا التغيير في شخصه. وهو الحركة؛ لأنه دائم الحضور أو المجيء أو تقديم الشركة في حياته. وهو استعلانها؛ لأنه هو الذي يعلن الخلاص.

العهد القديم كله برمته كان أيضاً عملاً إلهياً، ولكنه كان يقوم على “الذكرى”، على تذكُّر الخروج – نزول الشريعة – عبور البحر الأحمر، هذه بكل يقين هي أعمال الله ولكنها حدثت:

– مرة واحدة ولا تُعاد؛ لأن الخروج على سبيل المثال حدث مرة واحدة.

– هي أحداثٌ زمانية تقع في داخل الذاكرة والوجدان، وما يقدَّم من تعليم سواء في المجامع بعد العودة من السبي أو في الهيكل قبل السبي، لا يتعدى التذكُّر.

2- الاحتفالات بشخص المسيح، ليست احتفالات بأحداث حدثت مرة وانتهت؛ لأنه حتى عبارة الرب نفسه عن الإفخارستيا: “اصنعوا هذا لذكري”، لا تعني التذكر العقلي، فهي ذكرى شخصية، وما يقدمه هذا الشعب من عهد جديد أبدي لا يمكن أن يتغير، بعكس الفصح القديم الذي يذكر فيه الشعب عمل الله كحدث Event تم، والنتائج هي قلب هذا الاحتفال.

عندما كتب الأستاذ جرجس صموئيل عازر كتابه عن “قانون الارثوذكسية”، وهو كتاب يكاد يكون مجهولاً عند هذا الجيل، سطَّر لنا سطراً واحداً، قال فيه إن البروتستانتية هي عودة إلى اليهودية. ولم ينتبه أحد إلى هذا التقرير؛ لأنه لم يكن قد أقام عليه الدليل، ولكن ملاحظة الأستاذ جرجس صموئيل عازر في مكانها الصحيح، ولعل القارئ الذي قرأ السطور السابقة عن العبادة القديمة قد لاحظ المماثلة بينها وبين اجتماعات الأخوة الانجيليين بكل طوائفهم.

هذا لا يكفي، بل لا بُد من الإيضاح، وهو بكل تأكيد، معروف ومدَّون ليس في كتب اللاهوت القليلة جداً، بل في الترانيم نفسها.

* فقد جاءت عقيدة الكفارة، وبالمناسبة، لا فرق بشأنها بين عوض سمعان، والقس إبراهيم سعيد، والأنبا بيشوي مطران دمياط عن موت المسيح العقابي. كما أن تسجيل هذا التعليم الإنجيلي ورد في كتاب “تأملات في أسبوع الآلام، 5 كتب” للأنبا شنودة الثالث، حيث تم الخلاص -من وجهة نظرة- يوم الجمعة، وقد عَبَرَ الأنبا شنودة الثالث من التدبير المسيحي إلى الفكر وإلى الاحتفال اليهودي، بقوله: “نلاحظ هنا أنه قال دمي الذي سيُسفك، وليس الذي سُفك، وكذلك قال جسدي الذي يُبذل وليس الذي بُذل … ذلك لأن دمه قد سفك يوم الجمعة، وجسده قد بذل يوم الجمعة، اليوم الذي تم فيه الخلاص … إن حديثه يوم الخميس، كان عن الخلاص الذي سيتم يوم الجمعة والفصح الذي احتفل به يوم الخميس، كان رمزاً للفصح الحقيقي الذي للعهد الجديد الذي يذبح عنا يوم الجمعة، وكأن الرب أراد أن يقول: إن هذا الفصح الذي تأكلونه اليوم يرمز إلى جسدي الذي يبذل عنكم غداً، وإلى دمي الذي يسفك عنكم غداً”. هكذا أغفلت عقيدة الفداء -حسب تصور هؤلاء- الحضور الدائم للحمل المذبوح دائماً عن العالم، وصار ذبح المسيح على الصليب عملاً انتهى يوم الجمعة قابعاً في فكر صاحبه، وبذلك تحول المسيح إلى فكرة في التاريخ، وفقد العهد الجديد الأبدي قوته.

في حين أن احتفاليات الكنيسة الأسبوعية بالقيامة في يوم الرب هي احتفالٌ:

– بمحبة البشر للخطاة.

– بالاتحاد الأقنومي.

وهكذا، لا زالت كل الكنائس الأرثوذكسية تحتفل بقيامة الرب في باكر الأحد بقراءة الإنجيل الخاص بالقيامة. ولا زال الاحتفال بالقيامة في صلاة نصف الليل: “قوموا يا بني النور – يا بني القيامة” ولا زالت الثيئوطوكيات ترتل لتجسد ابن الله من القديسة مريم كل يوم على مدار الأسبوع؛ لأن التجسد هو أساس الكنيسة، ومريم والدة الإله هي الشاهد الذي يعيد الإدراك إلى “سر التقوى”.

وترك التسليم القديم، ترتيب الأسبوع، أثره على التسبحة (السنوية)، وهي في الحقيقة الأسبوعية وليست السنوية فقط، في ترتيب أيام التدبير من خلق آدم – السقوط – الوعد بالخلاص – تجسد الرب موته وقيامته – حلوله في الكنيسة بيت الملائكة، والسجود دائماً للثالوث في آخر كل ذكصولوجية، والأهم هو ثمار عمل الرب يسوع في الاحتفال بأعياد الشهداء والقديسين الراقدين. ولاحظ أن ذلك يكون بتقديم ذبيحة سر الشكر؛ لأنها العطية التي تجمع الكنيسة كلها، وليست ذكرى أحداث قديمة كما كان يحدث في العهد القديم.

العهد الجديد وماذا يعني في احتفالية الكنيسة:

– العهد قائم بكهنوت الرب، رئيس كهنة عظيم “قادر أن يرثي لضعفاتنا”، وبعد ذلك يقول الرسول: “مُجرَّب في كل شيء مثلنا بلا خطية” (عب 4: 12)، لكن ذلك لا يقف عند الوصف Description بل “فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمةً وعوناً في حينه” (عب 4: 14-16).

– كهنوت الرب أبدي، وضمان العهد الأفضل ثابت في القيامة، وقيامة الرب هي مصدر قيامتنا نحن، وهي قلب الإفخارستيا؛ لأن -لاحظ- رؤساء الكهنة في العهد الأول كانوا يموتون، ولكن يسوع “قدَّم نفسه مرة واحدة” (عب 7: 18 – 27). هل يمكن أن نستوعب حقيقة أن الناموس أو الشريعة أقامت بشراً ضعفاء يموتون، ولكن الآب أقسم أن يبقى الابن كاهناً إلى الأبد، ليس فقط إلى يوم الدينونة، بل بعد يوم الدينونة. “كلمة القسم التي بعد الشريعة (أو الناموس) فتقيم ابناً مكملاً إلى الأبد (عب 7: 28).

الكمال هنا هو الخلود والقيامة.

– لقد حاول كل الذين فسَّروا الرسالة إلى العبرانيين عبور الكلمات الخاصة برئيس الكهنة عن أنه “جلس في يمين عرش العظمة في السموات خادماً للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان (عب 8: 1-2). وخدمة الأقداس السماوية هي كل ما هو مختلف عن خدمة العهد الأول؛ لأن نفس سياق الشرح، في نفس الإصحاح يجعل الرسول يقول: “ولكنه الآن (ليس في الماضي مثل العهد الأول) قد حصل على خدمةٍ أفضل بمقدار ما هو وسيط أيضاً لعهد أعظم قد تثبَّت على مواعيد أفضل” (عب8: 6).

فلا فرق بين خدمة رئيس الكهنة – والوسيط. ولكن المواعيد الأفضل ليست زمانية؛ لأن الوعد بحلول الباركليت هو وعدٌ بأن يمكث معنا وفينا إلى الأبد، والوعد بالقيامة وعدٌ أبدي، أيضاً الوعد بالبنوة، وكذلك الوعد بميراث الملكوت.

كانت المواعيد في القديم خاصة بالأرض ومجيء المخلص. أما في الجديد، فهي خاصة بالحياة الإلهية، حياة الذي قال: “أنا هو القيامة والحياة”، ولذلك ينتهي الإصحاح الثامن بالنبوة عن العهد الجديد على لسان أرميا النبي: “إذا قال جديداً عتَّق الأول جعله قديماً وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال” (8: 13).

لا زلت أذكر اللقاء مع أعظم لاهوتي في الكنيسة اليونانية نوسيتوس الذي كان عميداً للمعهد المسكوني في جنيف – التابع لمجلس الكنائس العالمي في محاضرة عامة في ذلك المعهد قال فيها: “المسيحي الإنجيلي هو الكتاب المقدس والله وحدهما، ولا شيء آخر”. وفي حديث بعد المحاضرة قال: “عندما نتكلم عن حضور المسيح وحلوله فينا، فإن الاخوة الإنجيليين لا يفهموننا؛ لأنهم يعتبرون المسيح شخصاً عاش في الماضي وكل ما نعرفه عنه هو العهد الجديد، وما يتذكره كل واحد على حدة”.

المنهج الفردي: أنا على صواب والكل الآخر على خطأ

لم يكن شعار حركة الإصلاح في حينه ضاراً بقدر ما صار ضاراً بشكل مدمر بعد ذلك، لا سيما في النهضة الإنجيلية في القرن الثامن عشر التي غادرت تماماً تراث كالفن ولوثر وتمت مراجعته على أساس غير تاريخي؛ لأن البذرة التي وُضِعت في الحياة والثقافة هي: “الكتاب المقدس وحده – Sola Scriptura“، والايمان وحده – Sola Fide“، ذلك لأن تفسير الكتاب المقدس اعتمد على إيمان المفسر وحده، وهو الإيمان الخاص الشخصي الذي وُضِعَ فوق كل حقائق التاريخ، بل والثوابت أيضاً، وخَلَقَ اعتراضات غير تاريخية ضد هذه الثوابت، وكان الهدف من هذه الاعتراضات بشكل مباشر -كما يعرف كل الذين درسوا حركة الإصلاح في أي جامعة أوروبية أو أمريكية- تدمير بنيوية الكنيسة (حسب استخدام استاذنا “زكريا إبراهيم”) من خلال القضاء على:

– ذبيحة الإفخارستيا.

– سلطان الكهنوت.

– رئاسة البابا.

هذه البنية Structure تدمَّر ليس من واقع إتقان دراسة التاريخ المسيحي، بل بخلق نظرية متكاملة تضرب أساس هذه البنية، وهي:

– الفداء العقابي يوم الجمعة ← للقضاء على المطهر.

– الفداء العقابي يوم الجمعة ← للقضاء على ذبيحة سر الشكر.

– شفاعة المسيح وحدها ← للقضاء على شفاعة الروح القدس، وشفاعة الكنيسة، القديسين الأحياء والراقدين.

-رئاسة المسيح للكنيسة ← للقضاء على رئاسة البابا.

والذي يدرك تفاصيل هذه الاعتراضات يمكنه أن يرى بوضوح كيف تحول المسيح رب الحياة ورأس الجسد الحي الذي لا يموت، أي جسده الخاص، وهو الكنيسة أيضاً إلى مجرد فكرة.

ومن الجدير بالذكر أن خلق ازدواجية أو ثنائية بين جسد المسيح الذاتي أو الخاص والكنيسة، كان قد بدأ يظهر بعد القرن الخامس لا قبل ذلك، ولا يمكن تحديده بدقة تاريخية، ونحن نقصد فكرة رئاسة البابا الروماني على كل كنائس المسكونة شرقاً وغرباً.

من هنا جاءت الفرق الإنجيلية التي اختلفت على تفسير القليل جداً من نصوص الكتاب المقدس لكي تخلق عصمة الواعظ أو القس وعصمة الجماعة التي ينتمي إليها، وأصبح لدينا ألوفاً من البابوات الإنجيليين المعصومين من الخطأ العقيدي، بل والسلوكي أيضاً، وبرز في إطار نهضة القرن الثامن عشر حملات التشهير بخطايا الإكليروس الكاثوليكي الأخلاقية لكي ينفصل الشعب عنهم ويدخل في زمرة الجماعة الجديدة، تلك التي قال عنها أحد قادة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تصلي من أجل غفران الخطايا في كل صلاة: “إنها يجب أن تكون كنيسة الأنقياء”، رغم أن النقاوة -باعتراف القداسات- خاصة بالمسيح.

العشاء الرباني تذكار عقلي فقط هو أكبر خطايا حركة الإصلاح:

هكذا تحول المسيح من شخصٍ حيٍّ حاضرٍ وكائنٍ، بل ويحل في كياننا، إلى نشاط عقلي خاص بالذاكرة. نتذكره من أجل استعادة الفكر لحدثٍ تم في الماضي، لا من أجل الشركة السرية في الكائن معنا دائماً لا يفارقنا؛ لأنه هو حسب أوشية الإنجيل: “حياتنا كلنا”.

وعندما يصبح المسيح رب الحياة فكرةً في العقل وفي مكونات الذاكرة، عندئذٍ يمكن للإنسان أن يفكر كما يشاء وكما يحلو له حسب ما لديه من قدرة عقلية، وبحسب نموه العقلي والروحي.

المسيح يسوع ملكنا كلنا:

المسيح يسوع يملك الوجود والحياة الحاضرة والمستقبلة والمصير الأبدي لكل مؤمن. هذه حقيقة أبدية ماثلة في استعلان العهد الجديد.

وعندما سألني القمص مينا المتوحد: هل أنت تملك الرب يسوع؟ انزعجت من السؤال. فنظر إلى المتوحِّد في شفقة وقال: “الذي يملك آخر دون أن يملكه الآخر، هو نوع من العبودية والقهر لا تسمح به المحبة“. وطلب مني أن أحفظ واسترجع كلمات رسول يسوع في (1كو 13: 1-9)، وأن أُدقق في التعليم الذي لا يعطي للقهر ولا للتسلط أي مكان. وذكر عبارة خالدة لمار اسحق السرياني: “العبد لا يفهم حرية المحبة حتى يُعتق بنعمة البنوة“. وقال أيضاً: “إن التسلط الذي تخلقه الخطية ومحاولة الهروب من الشعور بالذنب والعار والفشل، هو الذي يخلق الاستبداد“. ووضع يده على رأسي كعادته وقال: “لا تكن مستبداً لأنك بالاستبداد تخدم الشيطان وحده“.

لذلك، عندما أقرأ أو أسمع عظات تصلني من مصر، أسأل نفسي عن مقدار نمو الواعظ والمعلم، ومدى تحرره من الخوف والشعور بالذنب، وإيمانه المطلق بالمحبة كقوة خلاقة إلهية تعطى بالروح القدس تحرر، كثيراً ما أُصاب بخيبة الأمل؛ لأن عبارات كثيرة تحولت عن معناها الحقيقي، وأصبحت تخدم القهر والتسلط والاستبداد:

– “اقبل المسيح” أصبحت تعني التخلي عن حرية الاختيار، ولا تؤكد حب الرب لكي تحرر من الأوهام والظنون.

– “آمن بالرب يسوع”؛ لتكن عبداً لا لكي تكون ابناً حراً.

– “على ابن الطاعة تحل البركة”، ذلك الشعار الشيطاني الذي يقال بشكل عام يحمل كل ما في الشر من اعتداء، كأن الطاعة لا الإيمان، ولا المحبة هي مصدر البركة، بل البركة هي من الأسقف أو القس أو الواعظ.

وكثيراً ما أسمع كلاماً لا يجوز حتى اعادة كتابته.

كيف حلَّت الكنيسة محل المسيح؟ وكيف أخذ الإكليروس مكان الرب يسوع نفسه بدعوى لا أساس تاريخي ولا كتابي ولا إيماني ولا آبائي لها، بأنهم نواب المسيح؛ لأن المسيح غاب عنا، وهو في السماء جالسٌ على عرش، أما هنا على الأرض، فيمثله الاكليروس، في حين أنه هو رأس الجسد (أفسس 5: 22 – 32 كولوسي 2: 19)، ولذلك ليس عجيباً أن يكتب الأنبا بيشوي مطران دمياط على صفحته على الفيسبوك بتاريخ 2 أغسطس 2014: “إن الرب سيبقى دائماً هو الغائب الحاضر، المختفى الظاهر لأنه هو الحق ….”.

كيف يصف أسقف في الكنيسة القبطية الله بأنه “الغائب الحاضر“؟!!!

دكتور

جورج حبيب بباوي

التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة