حتى لا نسقط تحت سلطان شريعة موسى

حتى لا نسقط تحت سلطان شريعة موسى

لكي لا نقع في هذه الأخطاء الشائعة شرقاً وغرباً. أرجو أن نلاحظ:

أولاً: الكتاب المقدس ليس كتاباً واحداً يُقرأ من التكوين للرؤيا بالتتابع، بل هو كتابٌ ينقسم إلى قسمين: العهد القديم، وهو حسب التسليم الكنسي الأرثوذكسي مكوَّن من التوراة – الأنبياء – الكتب (التاريخية) المزامير – أسفار الحكمة (الأمثال – الجامعة – حكمة سليمان – يشوع بن سيراخ). ثم العهد الجديد، وهو حسب التسليم الكنسي الأرثوذكسي مكوَّن من الأناجيل (الأربعة)، الرسائل (رسائل بولس) الرسائل الجامعة أو الكاثوليكون – ولا يُقرأ سفر الرؤيا في القداسات.

في اليهودية كل سفر خاضع لما جاء في التوارة (أسفار موسى الخمسة).

في المسيحية الأرثوذكسية، التوراة تخضع للتعليم النبوي، والتعليم النبوي للأنبياء يُفهم في نور العمل الكوني لروح الرب أو الحكمة – هذا الموضوع بالذات يحتاج لشرح موسع، ولكن اقرأ ثانياً.

ثانياً: الذي يشرح العهد القديم برمته هو شخص المسيح الإله المتجسد، وهو أقنوم الابن الكلمة، فهو ليس كتاباً يخضع لشرح نصوص أو تفسير عبارات أو كلمات. لذلك اقرأ ثالثاً.

ثالثاً: العهد الجديد ليس كتاباً، بل هو المسيح الرب نفسه المُستعلَن بالروح القدس، وهو أيضاً استعلان الثالوث. ومن لا يؤمن بالثالوث الواحد، ليس مسيحياً؛ لأن الثالوث هو استعلان الألوهة الحقة في الابن بالروح القدس.

إذن، العهد الجديد له أساس أبدي، هو شخص الابن الوحيد وعطية الروح القدس.

العهد الجديد هو المسيح الوسيط الذي لا يمكن أن تحل كل نصوص العهدين مكانه، أو تقوم مقامه؛ لأنه -حتى في حياتنا الأرضية هنا- لا يوجد كتاب يمكن أن يحل محل أي شخص نعرفه، ولا يمكن لأي رسالة أو نصوص أن تخلق رابطة محبة بين البشر لأن المحبة كامنة في القلب. لذلك اقرأ رابعاً.

رابعاً: العهد القديم الذي شُيِّد على الكهنوت والذبائح والهيكل قد زال تماماً، ولم يدخل في تكوين الاستعلان الجديد؛ لأنه مثل معاهدة بين يهوه وشعب اسرائيل. أما العهد الجديد، فالمسيح الرب هو الذي جاء بالعهد نفسه في شخصه، وهو ليس معاهدة بين طرفين الله والبشر، بل هو عطية تعطى بلا مقابل وبلا شروط. شرح رسول الرب بولس هذه الحقيقة في 4 رسائل هي رومية – غلاطية – كولوسي – والعبرانيين التي لا تدرس بعناية كافية.

لذلك يا أحباء الله الآب ارجو أن تفحصوا عن أعماق قلوبكم حتى لا يضاف من العهد القديم شيئاً إلى عمل الوسيط الرب يسوع المسيح، لا سيما الأفكار والمحتويات العقلية التي دخلت اللاهوت المسيحي في العصر الوسيط، ولذلك عليك عزيزي القارئ أن تلاحظ ما يأتي:

أولاً: لا تُخضع الرب يسوع لشريعة موسى؛ لأن مَن يدقق في خضوع الرب لشريعة موسى سوف يكتشف أنه لا يؤمن بإلوهية الرب يسوع سوى إيماناً لفظياً. لذلك، اقرأ ثانياً.

ثانياً: والدليل على خضوع الرب يسوع لشريعة موسى عند المرتدين إلى شريعة موسى هو جمع نصوص الذبائح القديمة لشرح ذبيحة الرب يسوع، وهؤلاء سقطوا في نفس الأفكار السابقة. لذلك، اقرأ ثالثاً بكل دقة.

ثالثاً: يصرخ تلاميذ موسى بعبارة الرب نفسه التي دُوِّنَت في إنجيل متى: “لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس (الشريعة، أي يبطلها) أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمِّل ..” (متى 5 : 17). و”أكمِّل”، أو “لكي يكون الكل”، تعني أن يتم ويكمُل الهدف، ولذلك بدأت بشارة الرب: “قد كَمُلَ الزمان واقترب ملكوت السموات” (مرقس 1 : 15). إن ما يزعج حقاً هو أن كلمات الرب هذه وردت في العظة على الجبل، الأمر الذي يزيل تماماً التفسير الموسَّع المعروف باسم Halakah للشريعة. والكلمة العبرية مثل العربية، وتعني “حلقة”، أي ما يُضاف للأصل؛ ولذلك كان الرب يقول: “قد سمعتم أنه قيل للقدماء أو للسابقين”؛ فهو لم يأتِ بشريعة جديدة، تُضاف إلى القديم، بل جاء بالحياة الجديدة في ملكوت السموات. لذلك، اقرأ رابعاً.

رابعاً: يمكنك أن تتأكد من صحة الشرح السابق بدراسة ولو سطحية لكلمات رسول المسيح في (غلا 4 : 4-6): “في ملء الزمان أرسل الله ابنه”، أي عندما كَمُلَ زمان التدبير الأول، وفَقَدَ قدرته على تحريك أو تقديم الجديد، جاء الربُّ “مولوداً تحت الشريعة” لكي يفتدي الذين هم تحت الشريعة، ولذلك قال رسول الرب إن الشريعة كانت معلم الأطفال الصغار أو المؤدِّب إلى أن يأتي المسيح لكي نتبرر بالإيمان (غلا 3 : 24)، ولاحظ أنه بعد ما جاء الإيمان (أي بشارة الإنجيل) لسنا بعد تحت معلِّم الأطفال، أو المؤدِّب. وهنا يضع الرسول بولس السبب في نوال هذه الحرية: “لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان .. ثم يذكر المعمودية المقدسة التي أزالت الفروق العرقية والاجتماعية: ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر ولا أنثى لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع. وهنا أدعوك –عزيزي القارئ- لتتذكر كيف كانت تُعامَل النساء حسب شريعة موسى.

حقاً أيها الأحباء، لقد فقدنا قوة العهد الجديد، أي يسوع نفسه، وسقطنا في فخ الشرح والتفسير؛ فصرنا يهوداً، بل ومسلمين دون أن ندري. أليست هذه مأساة: أن يصير الشخص، رب المجد، فكرةً ونظريات، وتصير الأفكار أعظم وأكبر من الأقنوم المتجسد، بل صارت هي المدخل إلى فهم الأقنوم؟ نحشد الفكر، ونظن أن الفكر يقوم مقام الروح القدس، بينما العبد وحده هو الذي يجعل أفكاره أعظم منه، ولكن مَن نال عطية التبني في يسوع يعرف أنه هو كإنسان، أعظم من كل الأفكار .. أفكارنا مثل الأطفال الذين نلدهم ونربيهم، ومع ذلك، نخاف منهم ونجعلهم مربِّين لنا.

لا شك أن من خلق هذه المأساة هو زوال الوعي فينا بأننا “صورة الله الجديدة في يسوع المسيح”.

عزيزي القارئ، اعتَرض كتابةً كما تشاء، ولكن لاحظ أن الكلمات ليست هي قوة يسوع، بل يسوع هو قوة يسوع. كن حراً، ولا تسقط وترتد إلى الشريعة.

مستعدٌ للحوار؛ لأن اشتعال محبة الرب يسوع هي وحدها التي يجب أن تسود.

د. جورج حبيب بباوي

التعليقات

3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة