حوارٌ موجز عن الثالوث – 2

سامي: ما هي مشكلتُك مع كلمة واحد؟

جورج: ليس لديَّ مشكلة مع أية كلمة. إنما ما هو مغزى الكلمة؟ وما هو استعمال الكلمة؟ أعني ما هو الهدف من القول بأن “الله واحد”؟

سامي: أنت لا تعرف؟ الله واحد، هو نفيٌ للوثنية وتعدُّد الآلهة.

جورج: هذا جيدٌ جداً ونافع، ولكنه سلبي، أي لا يكفي. الله واحد بمعنى أنه “وحدة”، وهذا هو معنى الكلمة “آخاد” في العبرانية. أقصد أحد معانيها. عندما يذكر العهد القديم “يهوه آخاد”، فإن العبارة يمكن ترجمتها إلى “يهوه وحدة – Union“.

سامي: هذا جديد، ولكن ما هي فائدة هذا الشرح غير الاعتيادي؟ لنفترض أن الله كما تقول أنت “وحدة”، ماذا يعني هذا؟

جورج: يعني ثلاثة أمور هامة: يقول الله: “لا يكن لكَ آلهةٌ أخرى أمامي”، وذلك بعد الخروج من أرض مصر؛ لكي ينسى الشعبُ آلهة مصر. وهو يقول قبل ذلك: “أنا الربُّ إلهك”، أنا واهبُ المواعيد. فهو لا ينفي التعدُّد، ولكنه يضع في الوعي المعنى الثاني لكلمة واحد، وهو الإله الحي الذي يقود شعبه. لا يكفي إنكار الوثنية، والتعدُّد.

سامي: وما هو المعنى الثالث؟

جورج: “الربُّ إلهنا ربٌّ واحد”. هو إله العهد والمواعيد الحاضر دائماً، والمعلِن عن ذاته ليس كواحد. لا يمكن أن يقول الله” “أنا واحد”.

سامي: هذا مزعج. مَن إذن الذي قال ذلك؟

جورج: الأنبياء. العبارة هي توجيهٌ لمسار الفكر والوعي. ولكن لماذا لا يمكن لله أن يقول “أنا واحد”؟ لأن كلمة واحد تنفي أنه الخالق والصالح والقادر والقوي والمعين.

سامي: حاسب. هذه هي صفات الواحد.

جورج: نعم هي صفات الواحد. ولكن كلمة صفات هي جمع، ولدى اخوتنا المسلمين 99 اسماً هي أسماء الله الحسنى، هذه الأسماء لا يجب أن يكون من بينها اسم الواحد؛ لأن ذلك، وإن كان يعدِّل مسار الوعي، إلَّا أنه يحذف تعدُّد صفات الله، ولذلك -في الأسفار اليهودية والمسيحية- لم يقُل الله بنفسه “أنا واحد”، بل حذَّرنا الأنبياء من أن نقول إن الله أكثر من واحد.

سامي: أنا لم أفهم بعد سبب اعتراضك على أن الله لا يمكن أن يقول “أنا واحد”.

جورج: لأن الواحد هو تعبيرٌ مبهم غامض، لا يساعد الوعي الإنساني على فهم حقيقة الوجود الإلهي الكامل الذي إذا وُصِفَ بكلمةٍ أو أكثر، تكون هذه الكلمة أو كل الكلمات، موجَّهةً لعقل وقلب الإنسان.

سامي: إذن لا توجد مشكلة في أن نقول إن الله واحد.

جورج: بلى، توجد عدة مشاكل، وأول هذه المشاكل هو غموض العبارة؛ لأنها جاءت من الصراع مع الوثنية، فهي سلبية. وثاني هذه المشاكل أنها لا تضيف إلى معرفتنا بحقيقة الله أي شيء يمكن أن يُوصَف بأنه إيجابي. وثالث هذه المشاكل، وهو لُب ما أريد أن أُشاركك فيه، هو أنها لم تصدر من الله نفسه؛ لأن الله عرَّفنا بذاتهِ بأسلوبٍ آخر. وهو أنه الآب والابن الروح القدس.

سامي: إنك مخادعٌ؛ لأنك قد سُقتني إلى هذا الاتجاه.

جورج: أنا لست مخادعاً، بل أُريد أن أُعرِّفُكَ بالله الذي تعرَّى من كلِّ مجدٍ وعزةٍ، ووقف أمام الإنسانية عارياً عندما أرسل ابنه الوحيد، وعندما أرسل الابنُ الروحَ القدسَ بعد ذلك إلينا. هذه هي “الوحدة”. التوحيدُ عندنا هو حركةُ استعلانٍ؛ لأنه ليس توحيداً لفظياً صادراً من عقل وقلب الأنبياء، بل توحيدٌ حقيقيٌّ صادرٌ عن حركة الوجود أو الكينونة الإلهية. هو توحيدٌ مثلَّثٌ، أو هو ثالوثٌ في واحد كما سبق وقلت.

سامي: أرى أنه من المناسب أن نقف عند هذه النقطة؛ لأنني أريد أن أهضم ما ذكرت، وأن أُناقِش هذا مع نفسي.

اعتذر عن استخدام كلمة مخادع، ولكن لديك نوع من المكر.

جورج: يجب التمييز بين المكر والحكمة. مِن الحكمة أن نشرح الحق، ومن المكر ما هو خداعٌ وتدليس، ونحن يا أخي نتكلم عن سر الوجود عن خالقنا، وحاجتنا إلى الحكمة أعظم.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة