حوارٌ موجز عن الثالوث – 3

سامي: لا زلت أبحث عن فائدة هذا التعليم بأن الله هو الآب والابن والروح القدس. ذكرتَ أنه تعليمٌ عن المحبة، ولم ندخل في تفاصيل هذا الموضوع. فماذا تقول؟

جورج: كلُّ صفات الله هي صفاتٌ عن علاقة الله بالخليقة. كلها دون أي استثناء، ما عدا صفة المحبة.

سامي: كيف. اشرح من فضلك.

جورج: اللهُ قادرٌ وحكيمٌ وخالقٌ، بل حتى قدوسٌ وعادلٌ، إلى آخر كل هذه الصفات الحلوة والحسنة. هي صفات تشرح كيف يتعامل الله معنا. أمَّا المحبة فهي تبين كيف يحيا الله حياته الخاصة به. حياته التي فيها محبة الآب للابن، والابن للآب، والروح لكلٍّ مِن الآب والابن. إذا جاز هذا الكلام، فهي تصف كيف يمارس الله محبته لكيانه الإلهي.

سامي: أنا أعترض. أنت إذن تقول إن الله يحب نفسه.

جورج: نعم. وما هي المشكلة في أن يحب الله نفسه؟ أنا ليس لديَّ مشكلةٌ؛ لأن المحبة هي استعلانٌ إلهيٌّ لنا عن حقيقة الكيان الإلهي. ألا نقول نحن “إن فاقد الشيء لا يعطيه”؟ إن كل صفات الله لها بصماتٌ في حياتنا الروحية والنفسية، وهي كلها انعكاس الوجود الإلهي علينا. ولكن صفة المحبة، هي كل ما في داخلنا، هي ليست عاطفةً ولا شعوراً. نعم، فيها العاطفة والشعور، ولكنها أيضاً قبول الإنسان لحياته، ومحبته لكيانه التي تعطي له العزة وتحرك كل قدرات الله.

سامي: يا صديقي أنت تتكلم عن البشر وليس عن الله.

جورج: نعم. أنت على صوابٍ بعض الشيء, لقد غاب من الوعي عندنا أن الإنسان صورة الله.

سامي: هذا موضوع جديد لم يسبق أن تكلمت أنت عنه.

جورج: هذا صحيح، ولكن الإنسان له كيانٌ خاص يشبه الكيان الإلهي في المحبة؛ لأننا نحب أنفسنا، ومن محبة الإنسان لنفسه، بدون تطرُّف “النرجسية”، نصل إلى العطاء. نتذوَّق المحبة داخلياً قبل أن نمارسها. هكذا الثالوث هو الأصل ونحن الصورة أو المثال: الآب يحب الابن، ويحب الروح القدس. هي علاقة المحبة. الله يحب ذاته وقد استراح في محبته لذاته، وأدخلنا إلى هذه الراحة.

سامي: يا أخي أنت تقفز من نقطة إلى أخرى، وأنا ليس لديَّ استعدادٌ مسبَق.

جورج: يا صديقي نحن لسنا في حربٍ ونزال، بل نحن نريد أن نكتشف حقيقة علاقتنا بالله. لو كان الله واحداً فقط، فهو يحب نفسه، ولو كان ثالوثاً، فهو يحب ويعطي كيانه لآخر.

سامي: حسناً. أنت تتكلم عن مُحبٍّ ومحبوب.

جورج: نعم. المُحب هو محبوبٌ، والمحبوب هو مُحبٌّ، ولكن المحبة في الله ليست شعوراً، هي الأقنوم الثالث.

سامي: هل هذا شرحك أنت؛ لأنني لم أسمع هذا من غيرك؟

جورج: لا. هذا شرحُ بعض آباء الكنيسة هيلاري – أوغسطينوس – مكسيموس المعترف – غريغوريوس أسقف قبرص، وفي الغرب ريكاردوس الفكتوريني.

سامي: كيف تصبح المحبةُ شخصاً أو أقنوماً؟ أنت لأول مرة تذكر كلمة أُقنوم.

جورج: هذا صحيح. الأقنوم هو كيان خاص معيَّن في الله. ولذلك، الآب يحب الابن؛ لأنه متمايز، ولكنه مساوي له. الروح هو المحبة، هو العطاء لكل ما في الثالوث، هو متأقنم، هو ليس صفات كما يقول البسطاء. لا يوجد في الله صفات بل الأقانيم، هي استعلان الله ومن الأقانيم نعرف الصفات.

سامي: إذن، صفات الله تُدرَك من الأقانيم ككل، هذا ما أفهمه؟

جورج: نعم. لا يوجد كيان بلا صفات شخصية، حتى في الإنسان نفسه، فلا أمانة بدون أمين، ولا محبة بدون محب.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة