أيقونة قبطية .. «إلى شهدائنا الأبرار الذين ذُبحوا بأيدي الهمج المتوحشين في ليبيا»

للشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي

عن جريدة الأهرام 3/3/2015

أنا شاهدتُهم من بعيد،

وقد حملوا معهم في الطريق إلى موتهم

أهلَهم، ومنازلَهم، وقراَهم

وشدُّوا الرحالْ

والصليبُ يرفرف من فوقهم والهلالْ

أنا شاهدتُهم ..

في ثيابِهمُ البرتقالية اللونِ،

عشرونَ شاباً وشاباً يسيرون للموتِ،

أرواحُهم في السماءِ مُحلَّقةٌ

والأكُّف مقيدةٌ بالَحبالْ

ومِن خلفهم رُسُلُ الموتِ،

عاصفةٌ من عصور الظلامِ،

وجوهٌ مُفخَّخَةٌ،

وأكفٌّ مُلَّطخَةٌ،

ولِحىً أُفعوانيَّةٌ،

ومُدىً، ونِصالْ!

وأنا .. أنا والبشرُ الآخرونْ

نرى بشراً يُذبحون،

نرى في منازلنا بشراً يُذبحونْ!

وكانوا يسيرون صفاًّ على شاطئ البحر،

عشرونَ شاباً وشاباً

كأنهم رجلٌ واحدٌ

أو كأنهمو مصرُ أمُّهمو

تتذكرّ سيرتَها في مواجهة الموتِ

تلقي السؤالَ عليه،

ويلقي عليها السؤالْ

وتغلبه في نزالٍ،

ويغلبها في نزالْ!

ساعةٌ لا تُعدُّ من الوقت،

لا هي ليلٌ ، ولا هي صبحٌ ..

نهارٌ، ولكنّه مُقمرٌ،

وفضاءٌ يُحيط بهم عن يمينٍ،

فضاءٌ يُحيط بهم عن شمالْ

هل هو الموتُ؟

أم هو ما قبله بقليلٍ؟

صراطٌ ترامت على جانبيه النهاياتُ

بحرٌ بلا شاطئ،

ورمالٌ وراء رمالْ

وهمو في الطريق إلى موتهم

يرفعون له جبهةً متهيِّبةً دونما وجلٍ

ويُصلّون في سرِّهم

ناظرين لما لا يُرى

خطوُهم هادئٌ

ليس بالمُتعجِّل، فالوقت رحبٌ

ولا هَو بالمُتباطئ، فالموت منتظرٌ ..

وهمو وطَّنوا النفسَ أنهمو سيلاقونَهُ

حيث ينعقد الصمت من فوقهم فجأةً

وتموت الظلالْ!

ربما اتجهوا نحونا

دون أن يعرفوا أننا سنراهم ونعرفهم

وهمو في الطريق إلى موتهم

شاخصين كأنهمو يتلقوْن وحياً،

وراضين ممتثلين لأقدارهم

مطمئنين مستشهدين كأنهمو عبروا البرزخَ الصعبَ

أو أصبحوا في الكنيسة أيقونةً،

أصبحوا في الفضاء العريض الذى صعدوا فيهِ

سرباً من الطير

يعبر في وَهَجٍ واشتعالْ

أو يرفرف في حُلُمٍ أو خيالْ

وأنا لم أُشاهد جمالاً كهذا الجمال!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة