حوارٌ موجز عن الثالوث الحلقة الثانية – 4

الثالوث القدوس – ممارسة أبدية – 4

السبت 11 يناير 2015، وكان الموعد قد حُدد من أجل موضوع واحد حسبما ذكرت رسالة سامي في التليفون: شركة المحبة في الثالوث.

سامي: أريد أن أقف عند موضوع “الله محبة”؛ لأنك تقول إن هذه المحبة ثالوثية، هل لديك دليل على ذلك؟

جورج: الدليل يا صديقي هو استعلان يسوع المسيح. فقد جاء يسوع وأعلن الآب والروح القدس. الآب يصف الابن بأنه “ابني الحبيب”، والابن يصف الروح القدس بأنه “معزِّي آخر”، أي مثل الابن هو أيضاً حبيب. نحن عرفنا الثالوث من تجسد الابن، وقبل ذلك كانت لدينا إشارات وإرهاصات الأنبياء، لكن الاستعلان الحقيقي والكامل هو في تجسد الابن.

سامي: جيد جداً. كيف استُعلنت محبة الثالوث في الابن؟

جورج: استُعلنت على ثلاث مستويات:

الأول: إرسالية الابن متجسداً؛ لأن هذا يعني أن الله الآب أحب الإنسان محبة خاصة، وأحبه وهو في شكله الإنساني، وحياته الإنسانية، أي الجسد والروح.

والثاني: هو اشتراك الابن في حياتنا الإنسانية لكي يبيد الموت والخطية.

والثالث: هو أن ينقل الابن إلينا، أي إلى كياننا، ما حققه وحوله في حياته، أي تحول الكيان الإنساني منه إلى كيان جديد خالد حي إلى الأبد ينقل إلينا هذا التحول بالروح القدس.

سامي: أعترف لك أنني لم أسمع هذا لا عند شهود يهوه، ولا حتى في الكنيسة. أنت تباغتني بما هو جديد وغير مألوف.

جورج: لك كل العذر يا أخي، لكن لقد اتفقنا على أن نتكلم عن المحبة الثالوثية، أليس كذلك؟

سامي: نعم.

جورج: المحبة ليست مشاعر الحنان والشوق والرغبة في اللقاء، هذه كلها مشاعر إنسانية نبيلة جيدة، وهي دعامات الحياة الإنسانية. ولكن المحبة في جوهرها الحقيقي هي قبول الآخر قبولاً كاملاً بلا شروط أو قيود أو مواصفات، هي حرية القبول. طبعاً أنا هنا أُشير إلى المحبة الإلهية. وعندما نقول: “هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد” (يو 3 : 16)، فإن المحبة هي حركة بذل وعطاء وقبول الإنسانية قبولاً كاملاً ليس باللفظ -كما نفعل نحن- بل بالاتحاد بالحياة الإنسانية. يا أخي إن المشكلة الأولى التي تواجهنا هي أن فهمنا وممارستنا الإنسانية للمحبة هي سبب عدم قبول الثالوث.

سامي: أرجوك اشرح هذا بالتفصيل.

جورج: يقول ربنا يسوع: “إذا أحببتم الذين يحبونكم فأي تقدم قد أحرزتم، وأي فضل لكم” (أي فضل لكم في الترجمة البيروتية هي ترجمة غير دقيقة)، ولذلك أضاف الرب: “أحبوا أعدائكم”. نحن نحب مَن يتلاءم مع احتياجاتنا، وبذلك تموت المحبة وتتحول إلى إرضاء الذات وإلى ما يُعرف باسم النرجسية، أي الإفراط في محبة الذات. نحن نحب بشروط وبالبحث عن ما يشبع الاحتياجات والغرائز التي لدينا، مثل محبة الكلب لسيده لأنه يطعمه. أمَّا المحبة الإلهية فهي ليست كذلك، إنها محبة لا تبحث عن إرضاء الذات، بل تقبل الآخر لكي تشارك الآخر حياته وكيانه.

سامي: يا أخي أليست الشركة حاجة؟

جورج: أبداً. كل الاحتياجات نابعة من نقص الكيان، ومن حقيقة غابت عن الوعي، وهي أن الإنسان مخلوق من العدم، ولذلك وجوده ناقص، ووجوده يعتمد على غيره دائماً مثل الاعتماد على الهواء والماء، بل والبشر، حتى نستطيع أن نعيش من هذا الاعتماد على الآخر، تولد الاحتياجات. أمَّا الله، فهو ليس كذلك. الشركة حركة طبيعية، هي حركة العطاء، تجدها قد استُعلنت في (يوحنا إصحاح 17) وهذا الإصحاح بالذات هو أحد ركائز التعليم المسيحي. لكن إذا وضعت (رو 8 : 14 – 32) مع (يوحنا إصحاح 17)، فسوف تجد حركة المحبة الثالوثية. في يوحنا 17 عطية الحياة الأبدية واعتبار البشر عطية الآب للابن (عدد 6)، ثم طلب وحدة المؤمنين على مثال وحدة الآب والابن، بل وشركة الكل في ذات المجد الإلهي، والأهم هو: “ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم”. وإذا انتقلنا من الاستعلان الإلهي إلى التدبير في (رو 8 : 14 – 32)، فسوف تجد قبول الروح القدس الذي أقام يسوع (عدد 11)، وهو نفس الروح القدس الساكن فينا، ثم قيادة الروح القدس لنا كأبناء الله الأحرار حتى أننا نصرخ: “أبَّا أيها الآب” (عدد 15). ولذلك، الروح القدس هو روح التبني. وماذا يمكن أن نقول عن: “وارثون لله ووارثون مع المسيح”، أي ميراث الملكوت السماوي. فقد نقلت إلينا المحبة الثالوثية غير المشروطة وغير المقيَّدة هذا الزخم الإلهي. ثم لاحظ أننا دُعينا لأن نكون “مشابهين صورة الابن” (8 : 29) ليكون هو البكر، وفي هذه الدعوة ننال التبرير – والتمجيد؛ لأن الله الآب لم يبخل([1]) علينا، بل بذل ابنه لأجلنا ويختم الرسول: “كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء” (8 : 32). هكذا تتحرك المحبة الثالوثية: تزيل كل العقبات، بل تدوس على الدينونة وتغفر الخطايا، وتحول الانسان المائت إلى إنسان حي إلى الأبد، كل هذا نابع من ذات المحبة الثالوثية.

سامي: الوقت سرقني. هل لديك استعداد لأن نتقابل الأسبوع القادم.

جورج: نعم أن شاء الله.


[1] يبخل هي الترجمة الصحيحة وعدم الشفقة وضع في النص لدعم موت المسيح النيابي العقابي.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة