ما قبل المنيا وما بعد المنيا

تابعت مثل غيري ما نُشِر على مدى سنوات عن ما صار له اسم معروف في ثقافة العنف في مصر “الفتنة الطائفية”. ولا داعي بالمرة لسرد تاريخ يمتد منذ الخمسينات حتى وقتنا الحاضر. الأقباط هم أحد أهداف الذين يريدون “كرسي الحكم”، وما حدث وما سوف يحدث، سيظل عالقاً لأن الدولة منذ أكثر من خمسين عاماً لم تتصدَ له بالقانون، بل تعد جلسات الصلح مقدمة لأحداث آتية لأن يد القانون قصرت عن أن تمتد للجناة بغض النظر عن ديانة الجناة.

أُشفق على سيادة الرئيس الذي أصبح الحل الوحيد لكل ما تراكم علينا وضدنا من هموم ومشاكل. واعتذار الرئيس عما حدث هو إهانة لمصر لأنه ليس المسئول عما جنايات وجرائم، ولا يد له في الأمور المشينة التي حدثت وسوف تحدث، ولا مجال بالمرة لتدخل بيت العائلة، فليست المجاملات والقبلات هي الحل.

وإذا أردنا تتبع جذور المشكلة لوجدنا أنها تمتد لتشمل:

1- عدم المساواة أمام القانون، والتساهل مع الذين يراوغون في تطبيقه.

2- استشراء ثقافة العنف وتطبيق قانون موازِ صارت له دولة مستقلة عن دولة القانون، وهو قانون الانتقام بكل أشكاله مثل الحرائق وهتك العرض، وهي عقوبات لا يعرفها أي تشريع تحت الشمس. فالعنف هو وليد حقيقي لضياع مبدأ المواطنة، ولدخول أفكار دينية لم تجد من يتصدى لها في الحراك الوطني بتأكيد المساواة التامة بين المواطنين.

3- تدخل رجال الدين من المسلمين والمسيحيين في أي مشكلة، وبالتالي في محاولة حلها هو الذي أضاف الجانب الديني للعنف؛ لذا يجب أن نشكر الذين كتبوا وتكلموا من أعضاء البرلمان وفي الصحافة ووسائل الإعلام، فقد أعادوا لمصر شكلها الوطني.

4- تأخر تحقيق “الدولة المدنية” التي أشار إليها الرئيس أكثر من مرة. كما تأخر أيضاً بعث الوطنية المصرية، الدرع الحقيقي الذي تصدى لكل قوى الشر ضد مصر، وهو الدرع الحقيقي الذي أعطى جمال عبد الناصر حرية الحركة في الصراع الإقليمي والدولي. ويجب أن نشكر سيادة الرئيس على استخدامه الدائم لاسم “المصريين”، لأن الوطنية المصرية هي الشعلة التي يجب أن تنال المزيد ليس في التشريعات وحدها، فقد أصابنا مشروع قانون دور العبادة بخيبة أمل، إذ قُسِّم القانون إلى قسمين، فأعادنا إلى الهوية الدينية التي تريد قوى الشر، وأهل الشر أن تبقى لكي تغلب الهوية الوطنية المصرية.

5- كان المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قد نشر أكبر دراسة عن العنف (تزيد عن 500 صفحة) لم تجد لها -للأسف- مكاناً في وسائل الإعلام، واقتصر توزيع هذه الدراسة التي جاءت نتيجة مساهمة أكبر وأعظم عقول مصر، على مراكز التخصص، وأعتقد أنه لو جرى تعميم هذه الدراسة لكان الحال غير الحال.

ولن أغفر لنفسي أنني تركت ملف هذه الدراسة في مصر بعد أن صدر حكم كنسي بتكفيري لأنني عارضت في إلغاء الاحتفال بعيد القيامة 1981، وكنت واحداً من كثر طالبوا بفتح قنوات الحوار مع الشهيد أنور السادات، وكان أن اتُّهمت في المحافل الكنسية بأنني أعمل ضابطاً في المخابرات المصرية، وهو شرف لم أحصل عليه بالنظر إلى الخدمة التي تؤديها المخابرات للوطن.

ولذلك لا بد من العودة إلى هذه الدراسة وإعادة الذين اشتركوا في الحوار من عظماء الرجال المصريين للنظر من جديد في القضية ووضع برنامج للعمل الوطني يُطرح على البرلمان والأحزاب.

عاشت مصر حرة

دكتور

جورج حبيب بباوي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة