الفرق بين المسيح والمؤمنين

يجب أن نميِّز بين حلول اللاهوت فينا كنعمة، واتحاد اللاهوت بالناسوت في التجسد.
فحلول النعمة هو حلول نوعي، أي أنه حلولٌ يعطي عطايا محددة للإنسانية، مثل عدم الموت أو التبني، ولكن اتحاد اللاهوت بالناسوت في التجسُّد هو اتحاد أقنوم الابن الكلمة بكل ملء اللاهوت بناسوته المأخوذ من العذراء مريم، وهو وضعٌ خاصٌ بالابن المتجسد. أمَّا حلول النعمة فهو على قدر حاجة وعلى قدر استيعاب الطبيعة الإنسانية. أمَّا حلول ملء اللاهوت في التجسد، فهو حلول مطلق وتام واتحاد حقيقي لا تنطبق علينا خواصه بالمرة.

وقد ناقش القديس كيرلس السكندري هذه النقطة مع الهرطقة النسطورية، وصار من الواضح أن تعبيرات نسطور عن حلول اللاهوت في المسيح، وشركة اللاهوت في ناسوت المسيح هي عبارات لا تخص المسيح يسوع ربنا، وإنما خاصة بنا نحن البشر. وفي ضوء المقالات الخمس ضد نسطور يمكن أن نميِّز بين المسيح والمؤمنين به على هذا النحو:

  1. عندما تجسَّد الأقنوم الكلمة والابن، فقد تنازل واتحد بالناسوت. هذا يعني أن مركز شخصية الأقنوم المتجسِّد هو لاهوت الكلمة الابن المتَّحد بالناسوت. أمَّا في حالتنا نحن، فإنَّ مركز شخصية كل مسيحي هو العقل الإنساني المميِّز للنفس الإنسانية.
  2. إذا كان اللاهوت هو مركز شخصية الابن المتجسِّد، ونحن مركز شخصيتنا هو العقل والإرادة الإنسانية، صار من الواضح أن كل تصرفات وأفعال الكلمة المتجسِّد هي تصرفاتٍ إلهية إنسانية نابعة من اللاهوت المتَّحد بالناسوت. أمَّا في حالتنا نحن، فكل تصرُّفٍ وعمل هو نابع من العقل والإرادة الإنسانية التي قد تنال نعمة في بعض الأحيان بسبب حلول اللاهوت فينا. وهنا تسند النعمةُ الإلهيةٌ الإرادةَ الإنسانيةَ، ولا يصبح أي عمل إنساني عملاً إلهياً.

وهنا يبرز الفرق بين الاتحاد الأقنومي وحلول النعمة: فالحالة الأولى هي حالة فعل أو تصرُّف إلهي يتم إنسانياً. بينما الحالة الثانية هي حالة فعل أو تصرُّف إنساني قد يُعان بالنعمة الإلهية، ويكون ذلك حسب قدرة الإنسان واستعداده الروحي.

وكمثالٍ على ذلك، فقد استطاع الابن الكلمة أن يخلق من الطين عينين للمولود الأعمى، وتم هذا كعملٍ إلهيٍ صادرٍ من اللوغوس، وبوسيلة إنسانية. هذه بالطبع قدرة ذاتية نابعة من الاتحاد الأقنومي.

أمَّا في حالتنا نحن، فلا يمكن أن تتم معجزة مثل هذه بالإرادة الإنسانية، رغم وجود النعمة؛ لأن النعمةَ تمنح القدرةَ على المعجزات لعددٍ معيَّنٍ مختارٍ من الله. وفي حالتنا، تتم المعجزات بالصلاة، ويظل عمل المعجزة قاصراً على النعمة التي فينا، ويظل أيضاً متمايزاً عن الإرادة الإنسانية لا ينتمي إليها، ولا ينبع منها، ولا يقع تحت سيطرتها، وإنما العكس.

  1. هكذا يظل الفرقُ بيننا هو فرقٌ بين الابن الخالق والبشر خليقته، وهو فرقٌ لا يزول بسبب حلول النعمة فينا. وهكذا كل أفعالنا، فهي بشرية بشكلٍ تامٍ، أمَّا كل أفعال الابن المتجسد فهي إلهية – إنسانية صادرة من الأقنوم الكلمة، وتتم بالناسوت حسب احتياجات خلاص الإنسان.

وهكذا على نحو سري لا يمكن تحديده فلسفياً، نحن نتشبَّه بناسوت المسيح في المجد، كقول الرسول بولس إن جسد قيامتنا سيكون على “صورة جسد مجده” (في 3: 21). وطبعاً “جسد مجده” هو الجسد الذي فيه ملء المجد. أمَّا أجسادنا، فهي تمتلئ منه، ويبقى هو متفوقاً كرأسٍ وينبوعٍ. أمَّا نحن فلسنا إلاَّ قنوات صغيرة صادرة أو نابعة منه بسبب الاتحاد. ويظل جسد الابن الكلمة هو “الجسد المحيي” الواهب الحياة، وهذه صفة خاصة به بسبب الاتحاد. أمَّا أجسادنا، فتظل كما هي تحتاج إلى نعمة القيامة، ولا تهب الحياة لأحد، بل تنال هي الحياة من المسيح. هنا يبرز الفرق الضخم بين الاتحاد والنعمة. ففي حالة المسيح، صار جسده مصدر حياةٍ بسبب الاتحاد بين أقنومه وجسده. أمَّا في حالتنا، فقد ظل الجسدُ فينا محتاجاً إلى الحياة، يأخذها من النعمة دون أن تُصبح صفة ذاتية فيه، ولا يملك أن يعطيها.

  1. نحن نتشبَّه بالابن الكلمة المتجسِّد كآدم الثاني، وما يخصنا هو ما وزَّعه علينا الرب في التدبير، أي نعمة التبني ونعمة عدم الموت. ولكننا لا ندخل شركاء في علاقة الابن بالآب، أي علاقة وحدة الجوهر الخاصة بالثالوث. نحن نتشبَّه بهذه الوحدة على قدر ما تعطينا النعمة، ولكن الفرق الأساسي بين الصورة، أي وحدة المؤمنين، والأصل، أي وحدة جوهر الثالوث، هو فرقٌ بين ما هو طبيعيٌ، أي وحدة الجوهر، وما هو ممنوحٌ، أي وحدة المؤمنين التي تخلقها النعمة. ولا تملك القدرات الطبيعية الإنسانية أن تقيم وحدة من أي نوع؛ لأن الوحدة هي صفة اللاهوت وحده، أمَّا المخلوقات، فهي تتَّحد بالقانون الطبيعي، وبقدرات الإرادة، وفاعلية الفكر. أمَّا وحدة جوهر الثالوث، فهي عكس ذلك تماماً؛ لأنها أزلية لم تحدث باتفاق الأقانيم، ولم تنبع بل كانت منذ الأزل، ولا تنمو، ولا تُعان من النعمة، بل تظل في وحدتها غير المتغيرة. وهكذا إذا قيل عن المسيح إنه “البكر بين إخوة كثيرين” (رومية 8: 19)، فإننا لا نفهم من هذا أننا نصبح مثله في كل شيء؛ لأن هذا يفوق احتمال الطبيعة الإنسانية، ولم تسمح به النعمة إلاَّ في إطار محدد واضح، وهو تجديد الطبيعة الإنسانية.

وهكذا يتم تجديد الطبيعة الإنسانية على النحو الذي تجدَّدت به في المسيح رأس الخلاص، فهو الباكورة والرأس، ومع ذلك يلمع نور وبهاء التجديد في المسيح كما يلمع المنبع أو المصدر، ولا يتألق أحدٌ مثله؛ لأنه يحفظ لنفسه جمال البكورية الذي لا يتغيَّر.

التعليقات

17 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة