المجموع الصفوي للشيخ صفي أبي الفضائل بن العسال : الجزء الأول

مقدمة تاريخية ولاهوتية

يعتبر هذا الكتاب هو أكبر موسوعة قانونية وصلتنا من العصر الوسيط. اعتمد ابن العسال على كتاب آخر هو “فقه النصرانية” لأبي الفرج ابن الطيب وهو من أكبر علماء الكنيسة السريانية المشرقية. إذا جمعنا ما لدينا من مراجع عربية في القانون الكنسي يظل “المجموع الصفوي” هو أكبر وأهم ما وصلنا من تراث كنسي.

مثل أي موسوعة لم يلاحظ الجامع الشيخ الصفي ابن العسال انه أضاف إلى المصادر القانونية القوانين العربية ال 80 التي نسبت إلى مجمع نيقية وقدم الأب حنانيا كساب شذرة تاريخية عن هذه القوانين في “مجموعة الشرع الكنسي” (منشورات النور 1998 ص 97) وبلا شك ان وجود هذه القوانين في المجموع الصفوي لا يقلل من أهمية الكتاب لأن الكتاب حسب الإسم نفسه “المجموع الصفوي” هو موسوعة. والطعن في أهمية الكتاب مصدره الأساسي هو رغبة عارمة في أن يحل الأشخاص محل القانون وان تحيا الكنيسة حياتها تحت سلطان بلا مرجعية وهو أمر له أسباب نفسية وعقلية وروحية لا علاقة لها بالمسيحية الأرثوذكسية لأن حب التسلط والاستبداد ليس له علاقة بالكهنوت.

المرجعية اللاهوتية:

1- القانون الكنسي خاضع للعقيدة وليس العكس لأن أحد مميزات الأرثوذكسية بل المسيحية قاطبة ان العهد بين الثالوث والبشرية هو عهد شخص شيد على حياة شخص وعمل الأقنوم الثاني ابن الله ربنا يسوع المسيح فهو ليس مثل العهد القديم الذي شيد على التوراة وصارت التوراة والشريعة هي الوسيط بين الله والشعب. أما في العهد الجديد فالوسيط الواحد هو شخص يسوع المسيح (1تيمو 2 : 5).

2- مراجعة القوانين الكنسية يجب أن تتم على أساس تاريخي ولاهوتي معاً والتاريخ الكنسي يلزمنا بأن نبحث في المصدر. وليس لدينا في التاريخ الكنسي تعليم بعصمة المجامع أو رؤساء الأساقفة أو الأساقفة وانما لدينا تعليم عن صحة التعليم. هذه الصحة أو الإستقامة أو الأرثوذكسية ليست تقديراً شخصياً لأشخاص أو مجموعة من البشر بل هي تستند أولاً إلى التسليم الرسولي المدون في أسفار الكتاب المقدس وثانياً إلى ما تمارسه الكنيسة حسب القاعدة القديمة “نحن نصلي ما نؤمن به ونمارس ما نصليه” لأن الصلاة والإيمان والممارسة لا سيما في الحياة الليتورجية هي أيضاً ما سلم الينا وما يشهد له التاريخ الكنسي. ثالثاً والشرح أو التفسير انما هو شرح يعتمد على قانون الايمان ويؤكد ما سلم في قانون الايمان من اعلانات عن العلاقة الجديدة في العهد الجديد وهي بالتحديد:

1- اتحاد اللاهوت بالناسوت اتحاداً أبدياً رد الإنسانية إلى الشركة في حياة الثالوث.

2- استعلان المحبة الإلهية في أقانيم الثالوث القدوس وكل ما يؤدي إلى انكار هذه المحبة هو خروج على الايمان المستقيم.

3- بقاء الشركة الإلهية الإنسانية إلى الأبد.

إفراز القانون الكنسي الذي يصطدم بالعقيدة:

لعل أفضل مثال هو القانون التاسع للقديس باسيليوس وهو يؤكد حسب النص “جرت العادة” (الأب حنانيا كساب ص 887) ان “تبقى النساء ازواجهن” ولكن العكس غير مباح للمرأة إذا هجرت البيت. ودراسة القانون بشكل قانوني تؤكد استناد القانون على التشريع الروماني القديم المنسوب للإمبراطور قسطنطين ومدونة القوانين للإمبراطور يوستينوس. والقانون ينكر مساواة الرجل والمرأة.

والقوانين الخاصة بقداسة الجسد وليس بالنظافة، لأن النظافة موضوع خاص بالصحة والسلوك الإجتماعي أما القداسة فهي عطية أبدية من عطايا الروح القدس لا يمكن ان تنال منها افرازات الجسد أن تقضي عليها الإفرازات لأن تقديس الجسد والروح في المعمودية والميرون والافخارستيا هو تقديس أبدي لا يمكن لإفرازات الجسد أن تقضي عليه أو تهدمه. ولذلك لا عبرة بالمرة بما ورد في بعض القوانين عن العلاقات الزوجية لأن هذه آراء شخصية لا تأخذ بعين الاعتبار:

1- طبيعة العلاقة الخاصة بين الزوج والزوجة.

2- ظروف العمل وساعات العمل ومتطلبات وواجبات العلاقات الاجتماعية.

3- نضوج المحبة والاتحاد الروحي الذي لا يخضع لقانون بل لما وصفه رسول المسيح نفسه “الموافقة” (1كو 7 : 5) والموافقة لا يؤسسها قانون ولا تخضع لقانون لأن أصل العلاقة الزوجية هو المحبة، التي لها مثال واضح وهو اتحاد المسيح بالكنيسة في زواج سري فيه العطاء والمحبة والطاعة والخضوع ومحبة المرأة والرجل كل للآخر بنفس قدر محبتهما للجسد نفسه أي الجسد الواحد (أفسس 5 : 22 – 33 وبالذات 5 : 33).

أخيراً:

لقد قدم أستاذنا د. عوني برسوم المستشار بمحكمة النقض عدة دراسات في القانون الكنسي نرجو أن تجد طريقها إلى الانتشار كما نرجو إعادة طبع النسخة التي طبعها جرجس فيلوثاؤس عوض وهو الجهد الذي قام به موقع الدراسات القبطية.

أن ترك ساحة الرعاية والخدمة بلا قانون وصب الاتهامات على المجموع الصفوي هو محاولة لإفراغ الحياة الكنسية من المدونة الوحيدة التي تحتاج إلى تقييم واضافات ودراسات وهو أمر لا يروق الذين يعشقون السلطة وتحول الاستبداد بالرأي إلى نفي كل ما هو صحيح وانقلب إلى نرجسية عبادة الذات وقديماً قيل من “يعبد ذاته لا يمكن ان يخدم الله أو غيره” ([1]) كما قيل أيضاً “إما أن يقتل الصليب السلطة ويحولها إلى خدمة أو تفصل محبة السلطة المصلوب عنا”.


[1] الأب صفرونيوس: رسالة إلى الأب تيموثاوس عن الشركة المقدسة.

تنزيل الملف

Al-Magmou_Al-Safawy_Part_One.pdf

التعليقات

3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة