مصر وكنيسة مصر – 3 الثورة والحراك الشعبي

رغم وجودي بعيداً عن الوطن مصر منذ عام 1988، إلاَّ أن مصر لم تفارق حياتي بالمرة. فمصر هي أرض الوطن الذي شيَّد عليه السابقون علينا كنيسةً مصريةً مائة بالمائة، وهي لذلك كريمة عزيزة حرة؛ إذا ظلت مصر كريمة وعزيزة وحرة.

في النصف الأول من القرن العشرين كان الأقباط في طليعة قيادات الحركة الوطنية، وفي بيت الأمة كان عدد الأقباط الذين أحاطوا بسعد زغلول عدداً ملحوظاً.. وجاءت ثورة 1919 وأعلن عبد النور استقلال جرجا عن الامبراطورية البريطانية، ونُفي مع سعد زغلول، وفشلت محاولات السفارة البريطانية خلق فتنة.

سمعت من أستاذنا الراحل الكريم عياد عياد عن اجتماع في السفارة البريطانية عَرَض فيه السفير البريطاني رحيل الأقباط عن ربوع الوطن، وتوطينهم في منطقة قناة السويس لكي يبقوا تحت حماية جيش الاحتلال، ورفض الحاضرون وكان معهم أطباء وقيادات علمانية الاقتراح، وبقى الوادي سليماً بلا شرخ في البنية الوطنية.

قامت ثورة 25 يناير، وقادها الشباب، ومع الشباب جاءت رياح التغيير، كانت لهؤلاء أحلام توشك أن تذهب سدى في الصراعات السياسية الحالية، ولكنها غمامة سوداء سوف ترحل بمشيئة الله.

هذا الحراك الشعبي ولد اتحاد أقباط ماسبيرو وغيره من التنظيمات السياسية، وظهرت أسماء قبطية ضمن شهداء الثورة، مينا دانيال وغيره، وهو اسمٌ لا يمكن أن يخطئ أحدٌ في تحديد ديانته، وآخر يُدعى بيشوي .. وهو اسمٌ قبطيٌ قديم. وهناك غيرهم من أطباء ومحامين وصيادلة، وشعب خرج يبحث عن المستقبل، ولكنه اصطدم بقيادات حزبية كانت نائمة وركبت موجة الثورة.

عندما طلب الراحل الكريم الأنبا شنودة الثالث عدم التظاهر في ميدان التحرير، لم يسمع الشباب نداء البابا وخرجوا، وطبعاً كان نداء المؤسسة الكنسية بعدم التظاهر ينسجم مع الواقع الكنسي نفسه، وهو الابتعاد عن الحياة السياسية، ولكن الشباب لم يستجب، وسجَّل حرية قرار سياسي كان له صدى بالغ الأهمية في الالتحام بالحركة الوطنية.

جاءت الثورة المصرية والحراك الشعبي بعد 30 سنة من ركودٍ، عرفت فيه مصر الظلم، وتزوير الانتخابات. ولعلي واحد من القلائل الذين حذَّروا الرئيس السابق حسني مبارك من الثورة، ولكن صوت شخص يقيم في المهجر هو صوت ضعيف لا يسمعه من سكر بخمر السلطة.

أعود إلى الحراك الشعبي في الكنيسة وأنادي شباب الثورة .. المطالب التي توضع أمام الاكليروس هي أشبه بنداءٍ في جزيرة خاوية تماماً .. لن يجد إلاَّ الاعتراضات – التسويف – انتظار البطل القادم، أي البابا الـ 118 وهو بدوره قادم من المؤسسة الكنسية، لا يعرف إلاَّ القليل، ولم يدخل الحياة المصرية إلاَّ في نطاق ضيق.

مطلوب لجان شعبية تكتب دستور الكنيسة – لائحة انتخاب البابا – أهلية الأساقفة – إعداد وثقافة الكهنة – هذا هو عمل الشعب، وهؤلاء لديهم أدوات كثيرة لفرض هذه المطالب، ليس بالاعتصامات، فهذا غير مجدٍ بالمرة، وإنما:

1- الامتناع عن حضور القداسات وسائر الخدمات الكنسية. لقد قاطَع الشعبُ البطريرك غبريال بن تُريك عندما استولى على كنائس مصر القديمة، فكان إذا ذهب للصلاة في إحدى الكنائس، ينصرف الشعب كله .. هكذا تصرَّف الأقباط في العصر الوسيط برجولة وشهامة.

2- عدم تقديم أي عطايا: نذور – أموال، بل يجب جمع كل هذا في صندوق – تتولى الإشراف عليه لجنة متخصصة – للصرف على المشروعات الكنسية، واحتياجات الفقراء.

3- إصدار نشرة دورية بإدارة مدنية (علمانية) وتوزيع هذه النشرة بثمن التكلفة.

أقول إن لديكم الكثير، وأنا لا أُحرِّض على الثورة، وإنما أدعو إلى ممارسة الحق الكنسي للرتبة الكنسية التي انتُهِكت حقوقها، أقصد رتبة الشعب، وغني عن البيان أن الذي أكد حق هذه الرتبة، هو الأنبا شنودة الثالث نفسه، عندما أكَّد:

+ حق الشعب في اختيار راعيه.

+ الراعي الصالح هو الهدف، والكلية الاكليريكية هي الوسيلة.

ولكن غياب رقابة الشعب أهدرت كلا المبدأين. وعليك – قارئي العزيز – أن تسأل كم أسقف رُسِمَ في عصر الأنبا شنودة درس دراسةً أكاديميةً في الكلية الإكليريكية، أو في غيرها من المعاهد اللاهوتية، وعلى رأس هؤلاء سكرتير المجمع المقدس؟

من لا يحترم القانون لا يجوز له أن يتبوأ مركز القيادة، والشعب كفيلٌ بأن يمنع هذا العبث.

التعليقات

2 تعليقان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة