مجمع خلقيدونية ما له وما عليه : تعقيب على محاضرة (نظرة على مجمع خلقيدونية 451 م)

لم أجد في مقال الأرشمندريت جريجوريوس ما يستحق الرد، فهو قد عاد إلى ما كان سائداً في أجواء الشرق قبل الغزو الفارسي الذي دمرت فيه جيوش فارس، مصر وسوريا قبل الفتح العربي، ومهَّد ذلك الغزو الفارسي لدمار الامبراطورية الرومانية الشرقية، ثم جاء دمار العاصمة الامبراطورية على يد الأتراك العثمانيين بعد ذلك.

لا أدري سر ذلك العبث بالتاريخ القديم في أجواء شتاء عربي، فقد غاب الربيع أو هو يوشك أن يغيب في غيوم الاقتصاد، وفي عتمة إنكار المواطنة، وفي ظل دعوة سافرة لفرض الجزية، وتدمير الأهرام وأبو الهول، ودمار كنائس في سوريا وقبلها العراق، بل ومصير سوريا الذي يتأرجح، ومصير الدولة المدنية الذي يكاد يغيب عن الوعي بعد ثورة 25 يناير .. وعبر حدود رسمها مستر سايكس ومستر بيكو تم تقسيم العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، فقد كان من أملاك الرجل المريض، الدولة العثمانية – التي لم تعد رجلاً مريضاً الآن – وعاش الأقباط والسريان والأرمن والروم في زمن لم يكن فيه حقوق للإنسان، ولم يكن فيه اعتراف بالآخر، وحتى مُحرر القدس صلاح الدين أمر بأن تُدهن قباب الكنائس بالزفت، وأن تُكسر الصلبان، وفُرضت أزياء على كل نصارى الشرق .. ويكاد التاريخ القديم يعود ويطل علينا برأسه عبر فضائيات تنشر سموم الكراهية باسم الإسلام وباسم المسيحية لكي تموت المواطنة ويتمزق الوطن ..

في هذا الجو يسأل البعض: ماذا عن مجمع خلقيدونية 451م؟!!!

يا قوم، لقد مضى على هذا المجمع 1400 سنة تقريباً، فلماذا لا تسألون عن الحوار اللاهوتي الذي دار بين كنائس أرثوذكسية قبل بعضها هذا المجمع، ورفضه البعض الآخر، في لقاءات حوار:

  • أرهوس – الدنمارك – 11 – 15 أغسطس 1964.
  • برستيول – انجلترا – 25- 29 يوليو 1967.
  • جنين – سويسرا – 16- 21 أغسطس 1970.
  • أديس أبابا – 22 – 23 ديسمبر 1971.

ولماذا غاب من مقارنات الأب الفاضل د. أثناسيوس حنين والأرشمندريت جريجوريوس ولو لمحة عن البيانات المشتركة التي صدرت في هذه اللقاءات، والتي تؤكد أن الإيمان الواحد هو ما سجله القديس كيرلس السكندري، وما عبَّرت عنه الفصول الاثنى عشر (الحروم)، والرسائل التي قبلها مجمع أفسس 431 ومجمع خلقيدونية 451؟

غياب النصوص دليل العبث بالتاريخ:

هل حقاً كان البابا ديوسقوروس هرطوقي – أوطاخي العقيدة؟ لقد قبل أوطاخي في شركة الكنيسة في 449 بعد اعترافٍ بالإيمان، وهو مجمع افسس الثاني، وجاء حرم فلافيان ثم موته بعد ذلك بمثابة اتهام بأن ديوسقوروس كان هو قاتل فلافيان حسب صياح بعض الأساقفة في مجمع خلقيدونية.
لكن حتى تاريخ كتابة هذه السطور لا يوجد لدينا نصٌ واحدٌ يؤكد أن ديوسقوروس قال أو اعترف بما لم يكن قد تسلَّمه من القديس كيرلس السكندري، وهو: “طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد”. (راجع الرسالة 4 – مجموعة الآباء. مجلد 77 للقديس كيرلس عامود الدين 192 -193). واستخدام كلمة طبيعة بوفرة في شرح انجيل يوحنا للقديس كيرلس الاسكندري عندما يشرح الثالوث مؤكداً أن الابن له ذات طبيعة الآب، ثم يعود بعد ذلك مؤكداً أن الابن بالطبيعة هو الابن الوحيد والإله المساوي للآب، فإن القارئ الفطن يفهم على الفور أن كلمة “طبيعة” تعني “جوهر”، وأنها في نفس الوقت تعني “أقنوم”؛ لأن الكلمة “طبيعة” هي كلمة مجردة وتحديد عقلي فلسفي يؤكد الكيان أو الوجود أو الحياة. ولدينا العبارة المشهورة التي يعرفها كل من الأب أثناسيوس حنين والأرشمندريت جريجوريوس، وهي عبارة مكسيموس المعترف: “لا توجد طبيعة بلا أقنوم”؛ لأن الطبائع التي بلا أقانيم هي المخلوقات غير العاقلة.

بكل أسف، مع احترامنا الكامل لعالم جليل ولاهوتي ممتاز أخذنا عنه الكثير في الكتب القبطية الأرثوذكسية، وهو يوحنا الدمشقي، فهو عندما يكتب عن المنوفيزية، أي الطبيعة الواحدة، يكتب عن الأوطاخية، وقد تعذَّر عليه رغم معرفته اللاهوتية، أن يقدم نصاً واحداً من عظات القديس ساويروس الأنطاكي (نشر النص السرياني في مجموعة Patrologia Orientalis وحقق النص كل من F. Grattin و M. Briere ).

بل لم يطلع على ولم يقرأ رسائل القديس ساويروس الأنطاكي إلى سرجيوس والتي نشرها Ian. P. Torrance في دراسة جيدة عن الخرستولوجي بعد خلقيدونية.

بل من المؤسف حقاً أننا لم نحاول ترجمة أطروحات الأب الكاثوليكي J. Lebon عن ساويروس الأنطاكي والتي نُشرت تباعاً منذ عام 1908 – 1951 في أربع دراسات كبرى يدافع فيها عن القديس ساويرس، وكانت هذه الدراسة بالذات هي أحد مراجع المصالحة بين روما والكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والتي قادها قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا عيواص والبابا يوحنا بولس الثاني.

المشكلة اللفظية ظاهرة وهي بالتحديد:

أولاً: لا يمكن أن نتكلم عن الإتحاد الأقنومي بالأرقام، أي بالاحتفاظ برقم اثنين، أي واحد في اثنين؛ لأن هذا يُسمع لدى الإسكندرية وإنطاكية السريانية على أنه عودة إلى ثنائية نسطور، لذلك أضاف القديس ساويرس الأنطاكي شرحاً لما جاء في مجمع أفسس 431 إن الطبيعة الواحدة هي طبيعة σύνθετος والترجمة العربية “مُركَّبة”، وهي ترجمة سيئة للغاية لأن الكلمة الانجليزية أقرب Composite ولم تكن هذه الإضافة جديدة، بل وردت عن القديس غريغوريوس النيسي في رده على أنوميوس (فقرة 12)، واستخدمها القديس كيرلس الكبير نفسه في كلامه على اتحاد الطبيعتين في شرح (اشعياء 2: 3 مجلد 2 عامود 254).

أعود وأكرر، إن الافتقار إلى الوثائق هو ذات الطابع السلفي الأصولي الذي يعرف فقط كيف يحشد الاتهامات، والدليل على ذلك أنه لا توجد في محاضر جلسات مجمع خلقيدونية 451 عبارة عقائدية واحدة تدين أبونا المعترف بالإيمان القديس ديوسقوروس، وعلى مَن يشك في صدق هذه العبارة، أن يقدم الدليل. عيبٌ علينا أن نحشد الاتهام، ثم بعد ذلك نبحث عن الدليل، وإذا لم نجده فعلينا أن نخترعه، وإذا عجزنا عن الاختراع، فعلينا أن نركب قطار الشتائم لكي نقف عند محطة الكراهية والعداء … نريد دليلاً واحداً من أية وثيقة تاريخية على هرطقة ديوسقوروس. والذين يطالبون بالاعتراف بالمجمع عليهم أن يطالبوا برفع الحرم عن ديوسقوروس وساويرس وفلكسينوس؛ لأن الاعتراف بالمجمع هو بمثابة توقيع الأقباط والسريان والأرمن والأحباش والهنود على حرم هؤلاء الآباء.

أبحاث الأستاذ يوحنا كرميرس والأب يوحنا رومانيدس:

رجاء من القارئ مراجعة ودراسة كتاب الأب ميشال نجم، مجمع خلقيدونية، أيفرق أم يجمِّع، منشورات النور بالاشتراك مع مجلس كنائس الشرق الأوسط 1987. وخلاصة أبحاث الذين اشتركوا في هذه اللقاءات منذ عام 1964 حتى 1971 هو أن الخلاف لفظيٌ بحت، ولعل القارئ يعرف الحقائق التاريخية التالية:

لم يكن لدى الآباء، ولا لدى الشعب قاموس يوناني – سرياني – قبطي يحدد معاني الألفاظ اللاهوتية؛ لأن حتى زمن القديس باسيليوس كانت كلمة “جوهر” = كلمة “أقنوم” حسبما ورد في رسالته الى امفلوخيوس. ولكن صارت كلمة “جوهر” تختص بما هو عام وفي شركة، وكلمة “أقنوم” تعني ما هو خاص ومُعيَّن، أي متمايز. ومن هنا جاء الإصطلاح: “جوهر واحد وأقانيم ثلاثة”. ولكن ظلت كلمة “طبيعة” بلا تحديد؛ لأنها هي بدورها تعني: “ما هو كائن” (كان أستاذنا د. وهيب عطا الله – الأنبا غريغوريوس يقول إن عبارة “الله موجود” خطأ عقيدي، وهو على صواب؛ لأن الموجود هو ما قد أُوجد، وهو ما لا ينطبق على الله). ولذلك العبارة الشائعة “الله موجود” هي خطأ لاهوتي غير مقصود، وكلمة “طبيعة” تعني الحياة الإلهية – كما أنها تعني أيضاً الحياة الإلهية، ولذلك عندما نقول إن الابن له المجد له ذات طبيعة الآب، فإن القصد واضح، وهو تأكيد إلوهيته، وعندما نصف التجسد بأنه “اتحاد طبيعتين”، فهذا الوصف بالضرورة إيمان بأن الابن له المجد أخذ جسداً، والذين حاولوا التخفيف من وقع حرف الجر “في” في سوريا ومصر لم يدركوا أن تعبير”في طبيعتين” هو تعبير نسطوري، ولكن مجمع خلقيدونية 451 لم يقع في فخ النسطورية؛ لأن “الرب الواحد في طبيعتين” هو اعترافٌ لا يقبله نسطور. كما أن تعبير “مساوي للآب ومساوي لنا حسب التدبير” هو أيضاً تعبير مرفوض تماماً عند أوطاخي وأبوليناريوس ونسطور.

وخلف أبحاث كرميرس ورومانيدس توجد الوثائق التاريخية التي أشار إليها كلاً منهما والتي لم يتعرض لها الأرشمندريت جريجوريوس إلَّا بعبارات نافية تضر قضية حساسة جداً لها وقع مؤلم وتداعيات أكبر من القضايا التي تصدت لها مقالة الأرشمندريت، وهي مصير كنائس الروم الأرثوذكس في الأماكن التي توجد فيها أغلبية أرثوذكسية من غير الخلقيدونيين. بل والجانب السياسي الذي لا داع للإشارة إليه هو بدوره أحد المسائل التي تجعل لهذا النوع من الأبحاث حساسية خاصة لا نملك أن نناقشها في الوقت الحاضر.

بل وعندما تغيب أبحاث كل من A. Hallaux الخاصة بمارفلكسينوس، ثم دراسة A. Grillmeier في أربع مجلدات نُشرت بالألمانية والإنجليزية عن “الخرستولوجي”، فإن ما كُتِبَ من أجل الإثارة وخلق الشكوك ليس في أصالة إيمان فرد واحد هو ديوسقوروس، بل كنيسة لها تاريخ عريق تُعرف باسم “أم الشهداء”، تملك ذات التراث الليتورجي والنسكي واللاهوتي، بل وذات الآباء أعمدة الايمان: أثناسيوس – كيرلس – وباسيليوس وغيرهم .. فإن الهدف الخفي لهذه الإثارة في هذا الوقت بالذات هو ما يدعونا إلى أن نطالب الذين يريدون فتح الملفات القديمة أن يقدموا لنا النصوص والوثائق، لا العرض الإعلامي الذي تقدمه الصحافة والفضائيات لشعوب يراد لها أن تسقط في بئر غياب الوعي بالتاريخ؛ لأن التاريخ هو العدو الحقيقي للعنف الطائفي والإنغلاق والأصولية التي لا تمنح الآخر مكاناً في الوجود؛ لأنه يعبِّر عن إيمانه بأسلوب مختلف. ولو طبقنا القواعد التي جاء بها القرن الخامس والسادس على تلاميذ الرب نفسه لوجدنا أنهم لم يكتبوا لنا عبارة واحدة تقول: إن المسيح له المجد من طبيعتين، أو في طبيعتين، ولوجدنا أنفسنا في حيرة أمام الاعتراف الرسولي النقي: “الكلمة صار جسداً”، فهل يجب أن نوقع حروماً على هؤلاء، أي على يوحنا الإنجيلي وبولس الرسول وغيرهم؟ بالطبع لا.

الدعوة الى الإيمان البسيط دعوة غير نقية:

هذه الدعوة التي تريد أن نتجاوز التاريخ تؤدي في نهايتها إلى السقوط في نفس الهرطقات القديمة التي أفرزتها الكنيسة الجامعة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وهنا نحن لسنا أمام مثال لِما حدث منذ 100 سنة، بل لِما هو سائد اليوم ولا زال يُقال من على بعض منابر الكنيسة – بكل أسف – هل يجوز أن يكتب بطريرك كنيسة أثناسيوس وكيرلس الكبير أن حلول اللاهوت فينا يجعلنا نفقد إنسانيتنا ونصبح مثل الله كليِّ القدرة وبلا خطية .. الخ من عبارات هي هذيان أوطاخي .. فهل فقد الله الكلمة خصوصية جسده، وهل فقد الله الكلمة ناسوته بسبب الاتحاد الأقنومي؟ والجواب بكل يقين إن هذا الهذيان الأوطاخي الذي رُوِّجَ له هو الذي أدَّى في النهاية إلى تحريم كتاب “أقوال مضيئة”، وهو عصارة ما كتبه أعمدة الايمان الأرثوذكسي منذ العصر الرسولي حتى القرن الخامس. لو كان هؤلاء قد درسوا التاريخ لَمَا وقعوا في هذه الورطة، بل كان مفزعاً حقاً أن نقرأ ذات عبارات نسطور تُكتب بعد وفاة نسطور بـ 1600 سنة في مجلة الكرازة، وهي أن المسيح له المجد لم يقُل في العلية خذوا كلوا هذا هو لاهوتي، بل قال خذوا كلوا هذا هو جسدي.

وهكذا يصل تعليم نسطور إلى كل قبطي بأننا نتناول الناسوت دون اللاهوت، وكأن الإتحاد الأقنومي قد صار هرطقةً. بل وصل الأمر إلى أن ادَّعى سكرتير المجمع المقدس في اجتماع مسكوني أن الشركة في الطبيعة الإلهية هي هرطقة بيزنطية، وتصدَّى له أساقفة روس أرثوذكس .. أليست هذه ثمار الإيمان بالعبارات البسيطة التي تتجاوز زخم الاختبار اللاهوتي الذي اكتشف تجسد الكلمة وعبَّر عنه بكل ما هو متاح من ألفاظ، وأكَّد الكل في تشديد واضح متكرر أنهم يقدمون لنا “سر تجسد الكلمة” واستُخدمَت كلمة “سر” لأن اتحاد اللاهوت بالناسوت هو ما يعلو على الإدراك، وهو ما يؤكده كل الذين كتبوا قبل وبعد 451.

كنيسة المجامع السبعة، وكنيسة المجامع الثلاثة:

ماذا أقول للأخوة شركاء الإيمان عن احترام وتقديس الأيقونات الذي أقره المجمع السابع 787 وهو مجمع نيقية الثاني، كيف تقدِّس وتكرِّم الكنيسة القبطية الأيقونات؟

والجواب من التاريخ، وهو أن الأيقونة وُلِدت في مصر قبل أي بلد آخر في رسوم على حوائط الكنائس، وهو الفن الفرعوني القديم، بل وكان الوجه يُرسم على توابيت الموتى في عصر البطالسة في الإسكندرية بالذات .. ولدينا أقدم أيقونة قبطية للسيد الرب يسوع المسيح وهي المعروفة باسم أيقونة “باويط” في متحف اللوفر في فرنسا ويظهر فيها مع أحد القديسين ويدعى مينا، وكان أسقفاً لهذه المنطقة.

لم نكن نحتاج الى مجمع يؤكد شرعية وسلامة وجود الأيقونات – رغم أن الذي دُمِّرَ في عصر خراب الكنائس في مصر كثيرٌ جداً (عصر بن قلاوون). والسؤال الذي يفرض نفسه علينا: هل كُنّا بحاجة إلى مجمع 787 أم أن الممارسة هي الحكم والحاكم معاً؟

أيقونة باويط:

هذه الأيقونة ربما هي من القرن الرابع أو السادس، فهي تسبق مجمع 787 على الأقل بقرن من الزمان، وهي قبطية مصرية 100% بل لا زالت رسومات الآباء الرسل على أعمدة كنيسة القديس سرجيوس في مصر القديمة، وهي أعمدة نُقلت من بقايا كنيسة قديمة، وربما كانت هي أعمدة الكنيسة القديمة قبل أن تُهدم وتُبنى عدة مرات. فنحن لم نحترم ونقدس الايقونات بسبب دفاع يوحنا الدمشقي، ولكن لأن تراثنا اللاهوتي والروحي كان هو الأساس الذي أبرز “الأيقونة” في الإنسان “صورة الله” (تك 1: 26)، وفي المسيح الرب “صورة الله غير المنظور” (كولو 1: 15)، وهو إيماننا الحقيقي بتجسد الله الكلمة الذي لم يَغِب حتى عن الكتابات العربية المسيحية القبطية في العصر الوسيط.

وقد قدم د. حكيم أمين في اجتماع ارهوس 1964 بحثاً بعنوان “الايمان الأرثوذكسي في ليتورجيات الكنيسة القبطية وصلواتها” (راجع كتاب مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمِّع، تعريب الأب ميشال نجم ص 185) وقد أورد ف هذا البحث بعض التراتيل التي انتقلت إلى الليتورجيات اللقبطية عن تراتيل يوحنا الدمشقي (765) وهي موجودة في مخطوطات البطريركية وكنيسة القديسة مريم حارة زويلة (راجع ص 203-204).

بل ويعرف كل قبطي اللحن الخاص بيوم الجمعة العظيمة: “أيها الابن الوحيد”، وهو كما يبدو من أبحاث أساتذة الألحان والموسيقى، أنه وُضِعَ بعد القرن الخامس، وهو ما يرتل كل يوم أحد في كل كنائس الروم والأرمن والسريان؛ لأن التسليم الليتورجي واحد رغم اختلاف اللغة، ولأن الحياة النسكية واحدة، والرهبنة واحدة، وهي التي حفظت التقارب الخفي رغم الإنشقاق والحرومات؛ إذ لا زال كتاب أبو الفرج بن الطيب، ويُعرف باسم تفسير المشرقي، يُقرأ عندنا، ولا زالت ميامر يوحنا سابا، وهو من الكنيسة الشرقية السريانية التي ظُلِمت هي أيضاً، وأطلق عليها البعض اسم “الكنيسة النسطورية”، وهي ليست كذلك بالمرة، ولكن جاء الاتهام لأنها لم تعلن حرم نسطور، بل رفضته ولم تتمسك بتعليم نسطور كما هو واضح من المؤلف السرياني الذي كتب دفاعاً حاراً عن نسطور ونشر النص السرياني باسم: The Bazaar of Heracleides نشره: G. R.Driver ثم دراسة النصوص النسطورية في مجلدين: A Nestorian Collection of Christological Texts L Abramowski (نُشرت الترجمة الانجليزية في 1972 – جامعة كامبريدج).

نحن نوقر ونحترم صراع الآباء العظام بعد 451. مكسيموس المعترف الذي نال هذا اللقب عن جدارة لأن السلطات الكنسية قطعت يده ثم لسانه؛ لكي لا يكتب ولا يتكلم، ومات في المنفى، وغيره من الذي دخلوا حلبة الصراع مع أفكار كانت تهدد الحياة الكنسية مثل بالاماس، بل وبعد 451 كان يوحنا الدرجي هو معلم النسك، وبعده أسحق السرياني العظيم الذي لا يفهمه إلَّا من ذاق المحبة الإلهية؛ لأن رسول الرب يسوع يقول: “مَن لا يحب لا يعرف الله” (1 يوحنا 4: 8). وما أكثر هؤلاء الذين ينشرون العداوة والبغضة بيننا.

كنيسة المجامع الثلاثة لها نفس التراث الآبائي الذي تُصارع اليوم لكي تسترده بعد ظلام العصر الوسيط، وبعد الحرب الخفية والمُعلَنة ضد كتابات الآباء، وتشريد الباحثين ووضعهم تحت حزام الفقر لكي تصبح لقمة العيش هي الهدف وليس البحث في علوم الكنيسة .. وهو وضعٌ أرجو أن يعالجه قداسة البابا تواضروس الثاني.

أخيراً اقول للأب أثناسيوس: لا شك إنك ظُلِمتَ ظلماً فاحشاً وامتدت يد الشيطان إليك، ولأسباب سياسية ألقوك في الشارع لكي تموت جوعاً، وهو أسلوب القتل البطيء .. لقد ذُقتَ الظلم، فلا تظلم الذين يعيشون اليوم تحت ظلال سيف الإسلام السياسي.

جورج حبيب بباوي

لمشاهدة الموضوع الأصلي وكافة تعليقات الزوار برجاء الرجوع للرابط التالي:

نظرة على مجمع خلقيدونية 451 م

التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة