رداً على اتهام أم الشهداء بأنها كنيسة مونوفيزية – أوطاخية -2

كيف تمجد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تجسُّد الله الكلمة؟

عرضنا في المقال السابق ما ورد في قداس القديس باسيليوس وقداس القديس غريغوريوس، وكلاهما يؤكدان تجسد وتأنس الرب يسوع الله الكلمة، وتقديم جسده الحقيقي ودمه الكريم للمتناولين.

والاعتراف الذي يتكرر أولاً في قانون الإيمان، وثانياً في استعلان السر، وثالثاً في استدعاء الروح القدس، وأخيراً في الاعتراف الأخير، يعقبه تقديم جسد ودم عمانوئيل إلهنا، هذا هو بالحقيقية آمين.

وفي هذا المقال نقدم ما يؤكد أرثوذكسية الكنيسة القبطية من التسبحة السنوية التي تقدمها الكنيسة القبطية يومياً، أي ما تعيشه الكنيسة يوماً بيوم.

صوت الآباء وتعليم الكنيسة الجامعة في التسبحة السنوية

تعد القطع القبطية المعروفة باسم الثيؤطوكيات، والتي تُرتَل على مدار الأسبوع، تأكيداً للتعليم الأرثوذكسي بتجسد الله الكلمة وتأنسه؛ لأن استخدام كلمة تجسد وحدها لا تكفي –كما أشرنا إلى ذلك في المقال السابق- نظراً لأن هرطقة أبوليناريوس أنكرت كمال الناسوت، أي أنه جسد إنساني بلا نفس إنسانية عاقلة، ومن هنا جاء تعبير “تجسد وتأنس”.

ثيؤطوكية الأحد

يسوع المسيح الذي تجسد منك بغير تغيير

ثم الاعتراف الأرثوذكسي:

الله الكلمة الذي صار إنساناً بغير انفصال (بغير افتراق).

واحد من اثنين

لاهوت قدوس بغير فساد مساو للآب

وناسوت طاهر بغير زواج مساو لنا كالتدبير

هذا الذي أخذه منك أيتها الغير الدنسة واتحد به كأقنوم

هذا الذي أخذ شبهنا ما خلا الخطية والتغيير.

ويرتفع الأداء اللاهوتي حيث يقدم تجسد الرب عطية الإفخارستيا:

وأنت يا مريم حملت في بطنك المن العقلي

الذي أتى من الآب.

– وولدته بغير دنس وأعطانا جسده ودمه

الكريمين فحيينا إلى الأبد.

– الإله الحق من الإله الحق (عبار مجمع نيقية 325).

الذي تجسد منك بغير تغيير

– وقوَّم أرجلنا إلى طريق السلام

بشركة أسراره المقدسة.

ويظل التجسد أساس الإفخارستيا مؤكداً في إبصالية الاثنين:

الله هو عمانوئيل

الطعام الحقيقي

شجرة الحياة العديمة الموت.

– يقوم حولك الشاروبيم والسارافيم

ولا يستطيعون أن ينظروك

ونحن ننظرك كل يوم على المذبح

ونتناول من جسدك ودمك الكريمين.

ثيؤطوكية الاثنين

في ثيؤطوكية الاثنين استعلان الإله المتجسد تعبر عنه الكنيسة بكل دقة

أشرق جسدياً من العذراء

بغير زرع بشر حتى خلَّصنا

– يسوع المسيح الكلمة الذي تجسد

وحلَّ فينا ورأينا مجده

أشرق جسدياً من العذراء.

ولا توجد دقة لاهوتية أكثر من هذا:

الكائن الذي كان، الذي أتى، وأيضاً يأتي

يسوع المسيح الكلمة

تجسد بغير تغيير

وصار إنساناً كاملاً

– لم يفض ولم يختلط ولم يفترق

بشيء من الأنواع بعد الاتحاد.

– بل بطبيعة واحدة

وأقنوم واحد

وشخصٍ واحد

الله الكلمة

أشرق جسدياً من العذراء.

وهنا، لا يجب أن نرى في تعبير “طبيعة واحدة” أي ذرة من الأوطاخية؛ لأن النص يجب أن يؤخذ كله، ولا يجب قطع ولصق العبارات التي تروق للمهاجمين لأن تعبير “طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد” هو ذات تعبير القديس كييرلس الكبير.

طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد للقديس كيرلس الكبير السكندري

عندما نؤكد اتحادهما، نعترف بالمسيح الواحد، الابن الواحد، واحد وهو ذاته الرب، وفي النهاية نعترف بطبيعة واحدة متجسدة لله” (الرسالة 44 إلى القس أملوخيوس قس القسطنطينية – مجلد 77: 125).

كل مَن ينسب إلى أقنومين أقولاً خاصة بالإنسان معتبراً إياه منفصلاً عن الكلمة من الله وينسب (أقوالاً)، أخرى خاصة بالله الكلمة من الله، فليكن محروماً“.

ولم نحذف التمييز بين الأقوال لئلا ننسب ما لا يليق وما يفصل الابن الكلمة من الله الآب، والأخرى التي تُنسَب للابن منفصلاً كإنسان وُلِدَ من امرأةٍ؛ لأننا نعترف بطبيعة واحدة للكلمة، ولكن نعرف أنه تجسد وتأنس كما قلت” (الرسالة 40 إلى الأسقف أكاكيوس، الفقرتين الرابعة عشر والخامسة عشر).

بعد الاتحاد لا نفصل الطبيعتين، أياً من الأخرى، ولا نقسِّم الابن غير المنقسم إلى ابنين، ولكن نقول: ابنٌ واحد -كما قال الآباء- وطبيعة واحدة للكلمة المتجسد” (الرسالة 45 إلى الأسقف ساكونوس، الفقرة السادسة، مجلد 77: 233. ونجد نفس العبارة في الفقرة الرابعة من الرسالة 46 لنفس الأسقف).

من الفقرة 15 في الرسالة 40، والفقرة 6 من الرسالة 45، ندرك أن القديس كيرلس يستخدم كلمة طبيعة كمرادف لكلمة أقنوم، وهو ما يزعج بعض الدارسين؛ لأن الكلام عن أن طبيعة = أقنوم، يؤدي إلى الكلام عن أقنومين، ولكن في سياق النص نجد أن القديس كيرلس حرص على تأكيد أن “الابن غير منقسم إلى اثنين من بعد الاتحاد”، لذلك فهو “طبيعة واحدة أو أقنوم واحد”.
كذلك حرص القديس كيرلس أيضاً على تأكيد “طبيعة واحدة للكلمة المتجسد”، وكلمة “متجسد” عندما تُكتَب أو تُضاف إلى الله الكلمة، فإن الهدف واضح، وهو وحدانية أقنوم الرب يسوع المسيح.
الأقنوم والطبيعة:
يجب استخدام هذه المصطلحات في إطارها التاريخي لأن حتى عبارة مكسيموس المعترف “لا توجد طبيعة عامة بلا أقنوم”، بمعنى أن الأقنوم هو الكيان الحقيقي، هيبوستاسيس Hypostasis وقد استُخدمت الكلمة في العهد الجديد اليوناني في 2 كور 9: 4 – عب 1: 3 – عب 3: 14 – عب 11: 1، وجاءت الترجمة العربية القديمة للرسالة إلى العبرانيين 1: 3 “الذي هو بهاء مجده ورسم أقنومه وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته” واستخدام الكلمة هنا هو حتماً يعني “طبيعة”، أي رسم جوهره أو طبيعته. ويجب أن نكون على حذر؛ لأن التمييز بين الأقنوم، أي الوجود أو الكيان الخاص، والجوهر، هو خاص بالثالوث فقط؛ لأن ما يُستخدَم مصطلحات خاصة بالثالوث، يجب فهمه في إطار الشرح اللاهوتي، وكذلك ما يقال عن تجسد الابن الكلمة له المجد، فهو يؤكد عدم انقسام الأقنوم، وهو ما يشرح ما جاء في ثيؤطوكية الاثنين؛ لأنه عندما نقول:
“لم يفض ولم يختلط”، أي يتحول إلى طبيعة ممتزجة تكون طبيعة ثالثة، وهو المقصود “بغير اختلاط” مثل السبائك المعدنية. وعندما نقول: “ولم يفترق بشيء من الأنواع بعد الاتحاد، بل بطبيعة واحدة وشخص واحد”، فقد قدمت الثيؤطوكية الكلمة الأقدم procopon والتي لم تُستخدم طويلاً لأن النساطرة وغيرهم كانوا يسيئون استخدامها؛ إذ كانت تلائم التفسير الذي شاع في مدرسة سابيليوس، وهي استعلانات، بينما كلمة أقنوم Hypostasis تؤكد أن الاستعلان ليس فقط procopon وهي تعني أصلاً وجه face بل ما له كينونة أو كيان، فهو ليس مجرد تعبير عن ما لا وجود له. والعبارة السابقة من ثيؤطوكية الاثنين تبدأ بالتجسد:
“يسوع المسيح الكلمة الذي تجسد بغير تغيير ظلَّ إلهاً، وصار إنساناً كاملاً” (ضد أبوليناريوس).
ومن ثم، فالتعبيرات التي استخدمها القديس كيرلس السكندري:
طبيعة واحدة
أقنوم واحد … إلخ هي تعبيرات وعبارات أرثوذكسية ضد نسطور وأوطاخي معاً؛ لأن خاتمة هذا الربع من الثيؤطوكية هو: “أشرق جسدياً من العذراء ….”.
يا ليت الأب الدكتور أثناسيوس حنين يُراجع نفسه، وينسى ما فعله معه الأنبا بيشوي؛ لأن المطران ليس هو الكنيسة أم الشهداء، وأن يتذكر الأب متى المسكين الذي عاش مطروداً زهاء خمس عشرة سنة ولم يُجَرِّد قلمه ضد أمه، بل وكاتب هذه السطور ينحني بكل إجلال واحترام ووقار لتاريخ وحياة وشهادة أم الشهداء، ولا يقيم وزنا على الإطلاق لسلوك وتصرفات بعض الإكليروس الذي دخل إلى الكهنوت خلسةً.

وقد نشر الأب يوحنا رومانيدس بحثاً مطولاً بعنوان “طبيعة واحدة أو أقنوم واحد للكلمة المتجسد، ومجمع خلقيدونية في Greek Orthodox Theological Review مجلد 10: 2، 1964 – 1965، شرح فيه نفس العبارات السابقة.

وتعود الثيؤطوكية لتؤكد:

المسيح آدم الثاني

أشرق جسدياً من العذراء.

ثيؤطوكية الثلاثاء

تؤكد ثيوطوكية الثلاثاء ذات التعليم:

مريم العذراء التي ولدت لنا الله الكلمة

الذي صار إنساناً لأجل خلاصنا

وبعد أن صار إنساناً

(ظلَّ) هو الإله أيضاً.

تجسد منكِ بغير افتراقٍ

بجسد ناطق (له نفس إنسانية)

مساو لنا كامل

وله نفس عاقلة

بقى إلهاً على حاله

وصار إنساناً كاملاً.

ثيؤطوكية الأربعاء

وفي ثيؤطوكية الأربعاء، ونظراً لأن صيغة المثنى غير معروفة في القبطية نقول عن القديس مريم:

السلام لمعمل الاتحاد غير المفترق

الذي للطبائع التي أتت معاً إلى موضعٍ واحد

بغير اختلاط.

وهنا التأكيد على الطبيعتين واضح (اتحاد بغير اختلاط)، بل وفي صدمة للعقل الطبيعي تسبح الكنيسة:

غير المتجسد تجسد،

والكلمة تجسم، وغير المبتدئ

ابتدأ

غير الزمنى صار زمانياً

غير المدرَك لمسوه

وغير المرئي رأوه (يو 14: 7 – 10)

ابن الله الحي صار بشراً بالحقيقة.

ثيؤطوكية الخميس، والجمعة

وفي ثيؤطوكية الخميس، نسمع صوت أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير:

هو اتحاد الاثنين

لاهوت وناسوت.

بل وماذا نقول عن ثيؤطوكية يوم الجمعة:

هو أخذ الذي لنا

وأعطانا الذي له.

– هو أخذ جسدنا

وأعطانا روحه القدوس

وجعلنا واحداً معه من قبل صلاحه.

ثيؤطوكية السبت

وفي ثيؤطوكية السبت، نجد كلمات الرسول بولس في فيلبي 2: 6 عن إخلاء الذات:

ولدت لنا جسدياً مخلصنا يسوع المسيح

الوحيد من الآب قبل كل الدهور

أخلى ذاته وأخذ شكل العبد منك (يا مريم)

لأجل خلاصنا

ولدته للعالم

باتحاد اللاهوت بغير افتراق.

وبعد،

ماذا نقول لمن يحب الاتهامات التي لا أساس لها، وكيف يمكن أن نقلع هذه العداوة التي مضى عليها 1400 سنة ولا تزال تُبَعثُ من وقتٍ لآخر؟

أقول لمن يدرس التسبحة السنوية، إن تمجيد التجسد هو أساس كل تسبيح، وإن كل ما يقال عن أم النور هو تمجيد لها كشاهد على اتحاد اللاهوت بالناسوت.

غفر الله لكل من يعيش في ظلمة الخطية. وليعلم كل من ينكر النور أنه بعيد عن نور محبة الله.

دكتور

جورج حبيب بباوي

مارس 2014


التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة