رُعبُ الشِّرِكِ، وأبديةُ الشركةِ … تفنيدٌ لخرافات 40 عاماً

تمر أمامي أحداث ولقاءات 40 عاماً مضت، ونحن -للأسف- ننهض من حفرة لنسقط في حفر أخرى، كانت حفرة عطية المواهب بدون الواهب نفسه، إحدى هذه الحفر. تلك التي وصفها المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم بلغته السهلة الواضحة: بـأنها “دي محبة ناقصة”، يعني نأخذ حاجة تشبع احتياجات النفس، وهي المواهب، وليس الله نفسه النصيب الصالح الواهب الحياة. بلاش الكلام ده. قول الروح القدس، وسيب كل واحد يختبر، إمَّا محبة الله الكاملة، أو المحبة الناقصة، وبلاش إزعاج للكنيسة”.

كان ذلك التعليم (تعليم الحلول المواهبي) هو التعليم السائد في الإكليريكية، وتربى عليه أكثر من جيل. وكان هذا التعليم يضايق القمص مينا المتوحد، وكان يقول: “ده لغو ولعب بالكلام”. وتمر السنوات بلا بحث، وبلا حوار، ليصبح أسقف التعليم بطريركاً للكنيسة ومعه أجندته الخاصة، والتي حَوَت:

أولاً: حلول مواهب الروح القدس، دون الروح القدس نفسه.

ثانياً: إنكار شركتنا في الحياة الإلهية، وهو صاحب عبارة جوفاء: “شركاء في العمل”، ولم يقل لنا ما هو العمل الذي يمكن أن يكون فيه شريكاً لله.

ثالثاً: تبني التعليم بموت المسيح العقابي والنيابي على عود الصليب، وهو تعليمٌ ساد في أوساط الكنيسة الإنجيلية شرقاً وغرباً، ودافع عنه كِتاب علم اللاهوت النظامي.

رابعاً: إنكار أن الرب سلَّم جسده ودمه في العلية للتلاميذ، وحدَّد بعبارات قاطعة في مقالة له عن خميس العهد نُشرت في كتاب 5 تأملات في أسبوع الآلام، بأن الرب سلَّم رمزاً ولم يسلِّم حقيقة.

خامساً: ثم امتد الهجوم على الكنيسة جسد المسيح بالفصل بين جسد المسيح الذي أخذه من والدة الإله، وجسد المسيح في الإفخارستيا، وجسد المسيح الكنيسة، وهكذا تم تمزيق المسيح الواحد إلى ثلاثة أجساد.

سادساً: ثم تبنى تعليم نسطور بأننا نأخذ جسد الرب، أي ناسوته فقط، دون اللاهوت، وذلك في محاولة منه للإنكار التام للشركة في الطبيعة الإلهية.

ورحل البطريرك، ولكن بقيت الأجندة مفتوحة لكي يتابع تلاميذه نشر ذات التعليم الذي يحاول مطران دمياط الآن التنصُّل منه تدريجياً، ولكن ما نُشِر على الموقع الخاص به على شبكة المعلومات الدولية، وما يكتبه في مجلة الكرازة يكشف عن أنه يسير في ذات الاتجاه لكي يدمِّر ما تبقى من الأرثوذكسية. ويمكننا هنا رصد مراحل تطور فكر الأنبا بيشوي في الآتي:

أولاً: بدأ بإنكار أن البشر أقانيم. وكلمة “أقنوم” تعني شخص. وإنكار أن البشر أقانيم يعني أنه لا مكان لصورة الله في الإنسان عند الأنبا بيشوي، وهكذا يكون قد أنكر أننا صورة الله في آدم الأول، وأنكر أيضاً أننا صرنا صورة الله بمجد الابن الوحيد. وإنكار الصورة الإلهية يعني أننا لسنا أشخاصاً، بل آلات أو أشياء؛ لأن الثالوث في وعي المطران هو صفات فقط لجوهر الله، أو جوهر اللاهوت.

وقد حاول المطران التنصل من هذا التعليم، ولكنه فشل في تأكيد شركة الأقانيم، وهي الشركة التي فُتحت لنا بالتجسد والصلب والقيامة والصعود وانسكاب الروح القدس؛ لأن الابن له المجد أدخل الانسانية التي أخذها من والدة الإله في شركة جوهر اللاهوت. فقد هدم المطران الشركة التي وضع أساسها الرب يسوع نفسه عندما هدم الموت وأباده؛ لأن المطران حوَّل موت المسيح إلى دفع ثمن “وإيفاء العدل الإلهي”، ولم يشرح لنا مثل غيره من الإنجيليين ما هو إيفاء العدل الإلهي، واكتفى -معهم- بأن بالقول بأن الآب صَبَّ غضبه على الابن المصلوب –وكما قال أستاذه الأنبا شنودة– وتنسَّم رائحة الرضى، فقد شبع الآب من التشفي([1]).

بالطبع، إيفاء العدل الإلهي حقه، يتمثل في أن يتحول الفداء إلى عملية قانونية غير أقنومية؛ لأن الابن الأقنوم هو الثمن، والبشر ليسوا أقانيم أو أشخاص، بل هم بدورهم أشياء تكتفي بأن ترى ما دُفع من ثمن، وتؤمن بالثمن الذي دُفع منذ ما يقرب من 2000 سنة، وبالتالي يصبح المصلوب فكرة، ويسقط في ذاكرة الإنسان كفكرة، دون أن يبقى هو الشخص الحي الأقنوم الذي يدخل في شركة مع الأشخاص من البشر لكي يعطي لهم حياة. وبالتالي كان طبيعياً أن يقدِّم الأنبا بيشوي نفسه -لمن قادهم حظهم العاثر أن يحاكمهم في محاكمات كانت تطول من الليل حتى الفجر- بأنه “إللي بيشوي”. ونقول إن هذا التقديم طبيعي؛ لأنه استلم من أستاذه أن الآب أشعل نار العدل الإلهي في الابن حتى تحول إلى رماد([2])، وهو ما دعاه هو نفسه إلى أن يجعل من خشبة الصليب الحطب الذي اشتعلت فيه النار يوم جمعة الصلبوت، فأصعدت رائحة الشواء([3]) (لاحظ عزيزي القارئ أن الأنبا بيشوي يقول ذلك عن شواء الابن المتجسد)، وبالتالي ليس أقل من أن يقدم الأنبا بيشوي نفسه -للخطاة- بأنه “إللي بيشوي”.

ثانياً: ويجد المطران في تمييز عقيدي أخذت به الكنيسة البيزنطية بين جوهر الله والنعمة والقوة والطاقة، المنفذ الذي يفتح له باب الهروب من هرطقة أستاذه، ولكنه يسقط في بدعة أنوميوس؛ إذ حَسِبَ الروح القدس قوةً وطاقةً([4])، وقال إننا نحن لا نأخذ الروح القدس، بل “روحاً قدساً”([5])، وكتب ذلك في بحث له قدَّمه في الحوار الدولي مع الكنيسة الإنجليزية، فجلب على أم الشهداء عار الجهل وضحالة الفهم والعجز المعرفي.

والطاقة، طبقاً لمفهوم المطران، = لا شخص، بمعنى أن الله لا يتعامل معنا بشخصه، وبالتالي فهي تعطى لمن هو ليس شخصاً، بل هي قوة تعطي لأشياءٍ هم البشر. وغاب عن المطران أنه عندما نفى علماء الكنيسة البيزنطية الشركة في الجوهر، فقد كان لديهم تسليم كنسي، مؤداه أن في الشركة معرفة، ومعرفة أو شركة جوهر الله تعني أننا سوف نفهم حقيقة الكيان الإلهي ونعرف الله، كما يعرف الله نفسه، وهذا مستحيل على أي مخلوق حتى الملائكة. ولكن شركتنا في النعمة هي تألُّه الإنسان وخلوده ومعرفته بالقوة والنعمة، لكن يظل سر الكيان الإلهي خفياً. ويبدو أن دراسة المطران المنزلية لم تسمح له بالاطلاع على علماء الكنيسة البيزنطية مثل: لوسكي – مايندروف – وأخيراً بابا دوبولوس، وقبل هؤلاء جيشٌ من علماء سبقوهم ونُشرت أبحاثهم باللغات الأوروبية كلها بما فيها اللغة الروسية.

لكن ما هو جوهر المشكلة بعد ما نَشَرَ من سخف ومحاولة إرعاب المؤمنين؟

– الشِّرِكُ في الدين الحنيف، هو إضافة مخلوق إلى الخالق، ثم عبادته مع الله الواحد. هذا شِركٌ بالله. وهذه مسألة فقهية حارب فيها الإسلامُ الوثنيةَ وتعدد الآلهة. هذا هو تاريخ الإسلام.

– إنكار الشِّركِ إذن هو قاعدة إسلامية خاصة بالإسلام، وهي قاعدة صحيحة وحق، ولكنها تحولت عند الأنبا شنودة والأنبا بيشوي إلى قاعدة لإنكار الشركة، بالرغم من بُعد الشُّقة بين الاثنين، فإذا كان الشِّركُ هو عبادة آخر مع الله، فإن الشركة هي الخلود وحياة الدهر الآتي وسكنى الروح القدس فينا.

– أساس الشركة هو تجسد الابن ووحدة جوهر الثالوث. وعندما نقول في التسبحة: “أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له”، فنحن هنا بصدد شركة لا شِرك. لأن الوسيط والرأس يسوع، هو الذي أدخلنا في شركته مع الآب والروح القدس، فإذا كان المطران يستطيع أن ينكر ذلك، فليقل هذا صراحةً، وإلَّا فلا داع للتشويش على العقيدة المسيحية بما ليس فيها أو منها، رحمةً بالكنيسة جسد المسيح.

– ولكن يبدو أن الاتهام بالشِّركِ كان له هدفٌ سياسي لا يخفى على أي عاقل، وهو سبب الخلط بين الشرك والشركة، بعد أن تعذَّر عليه الرد المسيحي اللاهوتي والأرثوذكسي. فعندما يلجأ البابا شنودة الثالث إلى الفقه الإسلامي الخاص بالدين الحنيف الذي لا يقبل الثالوث أو التجسد أو حلول الروح القدس، مستنداً على نص تحريم الآلهة: “لا يكن لك آلهة أخرى”، فهو هنا ينفي الشركة، لا الشِّرك. وعندما يلجأ بطريرك الكنيسة القبطية إلى ذات القاعدة التاريخية الإسلامية، فهو هنا يخطو خطوة واسعة خارج الشركة، بل خارج الإيمان. ولذلك كان طبيعياً أن يرعب الناس بعبارات من قبيل إن من يشترك في طبيعة الله، يصبح مثل الله، يسجد له الناس، قادرٌ على كل شيء … الخ إذ يفقد الإنسان إنسانيته تماماً. وهي فكرة تعود إلى الراهب الشرير أوطاخي الذي لم يُحب جسده، وسبقه في ذلك أبوليناريوس الذي كره النفس والعقل؛ لأنه مصدر الشر، وبناءً على ذلك تصوَّر أن الابن المتجسد أخذ جسداً بدون نفس إنسانية ولا عقل إنساني، وتم حرم التعليم والشخص معاً.

ولأن المطران لا زال أسيراً لتعليم أستاذه، نجده في مقاله المنشور في مجلة الكرازة في 2 يناير 2015 يقول إن حلول أقنوم الروح القدس يحوِّل الإنسان إلى الروح القدس. وهو بذلك يستخدم ذات القاعدة، أي قاعدة نفي الشرك، إضافة إلى استخدامه القاعدة القديمة التي أسس عليها أوطاخي هرطقته، وهي قاعدة تدمر الحياة الأبدية؛ لأنها تنكر الشركة.

رعبُ الشِّرِكِ والحلول الأقنومي:

بدايةً، نحن نحمد للمطران عدم سقوطه في هرطقة نسطور مثل أستاذه؛ فهو يعرف أن تناول الناسوت وحده هو ما صرَّح به نسطور، وحوكم عليه في مجمع أفسس 431 ولذلك، فإن ما لديك من صواب يا نيافة المطران، نشكر الله عليه.

لكن رعبَ الشِّركِ لديك جعلك تكتب عبارات تحكم عليك بأنك لا تؤمن أصلاً بتجسد الابن، ولا بألوهية الروح، ولا بعطية الحياة الأبدية. ويمكننا أن ندلل على ذلك مما يأتي:

أولاً: اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص وأقنوم الرب الواحد يسوع المسيح:

لقد جعلنا -حتماً- تنازل الابن وتجسده “نزل من السماء وتجسد ..” كما نعترف في قانون الإيمان، واحداً معه.

* هو الكرمة ونحن الأغصان (يوحنا 15: 1).

* هو الرأس ونحن جسده، وليس مجرد جسد آخر، بل “جسد المسيح”.

– هل يمكن فصل الكرمة عن الأغصان؟ الغصن الذي يُفصل يموت.

– هل يمكن لعضو أن يبقى حياً إلى الأبد بدون الرأس يسوع؟ هو حتماً سيموت؛ لأن الحياة التي من الرأس لم تُعط له (1كو 12: 27 كولوسي 2: 19).

– وإذا كان لنا هذا الاتحاد، وهو ذات الاتحاد الذي يُعطى في “سر السرائر” الإفخارستيا، فهل هو اتحاد أقنومي لأقنوم الكلمة المتجسد بنا؟ نعم، وإلَّا صرنا أغصاناً بلا كرمة، وأعضاءً بلا رأس.

لكن المطران يفصل تعبير “الاتحاد الأقنومي”، و”الحلول الأقنومي” عن الاختبار المسيحي لهذا الاتحاد؛ لأنه مثل أُستاذه؛ لأنه يستخدم أسلوب “النفي” قاعدة لإثبات وجهة نظره، فهو يستخدم قاعدة نفي الشرك في الإسلام، وهي خاصة بنفي الشرك فقط، ويجعل منها قاعدة في دين المسيح، الذي فيه الإنسانية والبشر هم:

– هياكل الروح القدس

– جسد المسيح الكنيسة.

وكلا التعبيرين لا يعرفهما القرآن ولا السنة، ولا علاقة لهما بالدين الحنيف.

وبالرغم من ذلك، تأتي فزَّاعة ورُعب الشِّرك في عباراتٍ قيلت على لسان أستاذه: “يعني أنت إذن المسيح؟”، “يعني أنت إله، ولمَّا تطلع من الهيكل بعد التناول الناس تسجد لك؟”. وهو ما لم يحدث مطلقاً، ولم يخطر إلَّا على قلبٍ مملوءٍ بالفزع والرُّعب من نعمة الله؛ لأن الإنسان القاسي القلب يرفض النعمة؛ لأنها تتعارض مع ما في قلبه وفكره من قساوة.

وهكذا تبدو مأساة المطران في أن رُعبَ الشِّرك ملك عليه فكره، رغم أنه قادر على أن يفكر بحرية بعيداً عن أستاذه، وعودته إلى الأرثوذكسية مكسبٌ كبير، إذا استطاع أن يتخلص من الولاء لسيده وولي نعمته.

* هل نحن نتحد بالمسيح الرب مثل اتحاد لاهوته بالناسوت الذي أخذه من القديسة مريم؟ والجوابُ صعبٌ، ولكنه هيِّنٌ على من ذاق المحبة الإلهية.

– هل اتحادنا بالرأس هو ثمرة اتحاد اللاهوت بالناسوت في الرب الواحد؟ وحتماً الجواب بالإيجاب، وإلَّا كيف يكون المسيح فينا، وما الذي يجعلنا جسده؟ وما الذي يوحِّدنا به؟ أليس هذا هو أحد ثمار تجسد الرب؟ هل هو نفس الاتحاد؟ يعني الاتحاد نفسه؟ نعم، والرد نجده في (رو 8: 35)، إذ لا انفصال في المحبة.

والمحبة التي نقصدها ليست هي التي وجدناها في أدبيات مصر كلها منذ أحمد شوقي إلى رامي وغيره من الذين كتبوا أشعار الحب والهيام، تلك ليست هي جوهر الحياة الإلهية. ولذلك، الذين تعلموا المحبة من أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ أو غيرهما، أتقنوا فقط المشاعر النبيلة الإنسانية الفخمة في حب الوطن، وهو واجب إنساني، وحب الآخر، واتقنوا لغة العشق “الحلال”. لكن ما أبعد الفرق بين هؤلاء البشر من عظماء الفن، والثالوث الذي هو “شركة المحبة”، وعطاء كل أقنوم كيانه إلى الأقنوم الآخر. وحتى عندما تغني أم كلثوم: “الله محبة – الخير محبة – النور محبة”، فهذا رغم ما فيه من نبل وشرف وجمال، لا زال بعيداً جداً عن (يوحنا 3: 16، يوحنا ص 17)؛ لأن المحبة الإلهية ترفع العبد إلى مجد التبني، وهو شركة كيانية وليس شركة شرفية، كما قال أستاذ المطران.

ثانياً الوسيط والمصالحة:

عندما حاصر المطران موت الرب يسوع على الصليب في “إيفاء العدل الإلهي”، ضاع منه دور الوسيط، والرأس، والبِكر، ورئيس الكهنة، والعريس، كلُّ ذلك ضاع في ضباب دفع الثمن. في حين أن:

* لقد توسط المسيح يسوع لا لكي يسدد الديون، بل لكي يعطي لنا شركة في حياته، ولذلك يقول رسول المسيح: “لكي أُوجد فيه” (فيلبي 3: 9).

* وصار الرأس الذي منه تولد وتنمو كل الأعضاء، لكي تظل حيةً (كولوسي 2: 19).

* وهو البِكر بين إخوةٍ كثيرين؛ لأننا دُعينا لكي نكون مشابهين له (رو 8: 29)، والمشابهة لها سببٌ ظاهر، وهو أننا من لا شيء وُهبنا ما لا نملكه، وبالتالي نصير مثله؛ لأن كياننا الإنساني لا يملك ذات الحياة التي للرب، بل ينال هبة وعطية ترفعه إلى مجد الابن الوحيد (يوحنا 17: 22). ومن هنا جاء التعبير “مشابهين لصورة مجده”؛ لأن المجد ليس طبيعة فينا، ولن يصبح طبيعة، أي واجبة الوجود، طبيعة ذاتية خاصة بنا، بل طبيعة تحيا بالنعمة وحسب عطاء النعمة.

* وهو رئيس الكهنة الذي دخل إلى قدس الأقداس، ولا زال يخدم المسكن السماوي، ويُقدِّمنا إلى الله الآب لكي نكمُل كما كَمُلَ هو، وهو لُب وجوهر رسالة كاملة، هي الرسالة إلى العبرانيين.

* والمصالحة لم تكن لدفع الديون -هذا تجديفٌ على نعمة الله- بل أُعطينا الحياة، صارت لنا حياة “نحن الأموات بالذنوب والخطايا أحيانا معه” (أفسس 2: 4 – كولوسي 2: 13)، وصُولحنا بموت ابنه لكي نخلص بحياته؛ لأن بولس لم يكن بروتستانتياً يفصل الصليب عن القيامة (راجع رومية 5: 10).

هل أدركت -عزيزي القارئ- شناعة التعليم السائد والسقوط المتدرج نحو فراغٍ انتهى إلى إنكار اتحادنا بالمسيح؟

ماذا يعني إنكار اتحادنا بالرأس؟

الرأس هو الأقنوم المتجسد. هو رأس الكنيسة، وإذا تم إنكار هذا الاتحاد:

1- تعذَّر علينا أن نقف عند المذبح، فلا ذبيحة، بل ذكرى (تعليم الإنجيليين)؛ لأننا نشترك فيه هو، في المسيح كله لاهوتاً وناسوتاً.

2- تعذَّر علينا أن نصلي باسمه. وعندما أضافت كنيستنا إلى الصلاة الربانية: “بالمسيح يسوع ربنا”، وهي إضافة ليتورجية تهدف إلى إنكار الأريوسية، فكيف نصلي ونحن نحيا في انفصال عن الواحد الذي وحَّد السماء بالأرض، وجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد (يوحنا 11: 52) وهم -حسب فزاعة المطران- لا زالوا متفرقين.

3- وتعذَّر علينا ممارسة السرائر، لا سيما المعمودية؛ لأن واهب هذا السر هو الآب بالابن في الروح القدس، حسب التسليم الكنسي.

4- وضاعت علينا مسحة الميرون بمسحة الحياة الأبدية، فلا حياة أبدية لمن يحيا في انفصالٍ عن الثالوث.

5- وتم هدم وحدة الكنيسة جسد المسيح، لأنها في هذه الحال ليست جسده، بل هي -كما هو سائد في التعليم الشعبي- “جماعة المؤمنين”؛ لأننا لا يمكن أن يوحِّدنا ناسوت المسيح وحده، بل الذي يوحِّدنا هو الإله المتجسد، واهب الحياة الجديدة، والذي يجمع أعضاء جسده: “حتى أننا من لحمه ومن عظامه” (أفسس 5: 3) لأن هذا هو اتحاد أقوى من اتحاد الرجل والمرأة، وأعظم من اتحاد آدم وحواء (افسس 5: 32).

تلك، وغيرها بمثابة ثبتٍ لأخطاء 40 عاماً مضت، وما أوصلنا إليه العناد في عدم التصدي لها وما ترتب عليها من نتائج، نضعها أمام القارئ حتى نعي معاً درس التاريخ، فلا نسقط فيما سقطنا فيه في الماضي من حفر. وكل رجائنا أن الرب سوف يرسل لنا حتماً، أساقفةً أرثوذكسيين، لهم ولاءٌ للمسيح وحده، وليس لمن أعطاهم كهنوته هو، لا كهنوت الرب.



([1]) راجع ذلك في كتاب مجموعة تأملات في أسبوع الآلام، 5 كتب للبابا شنودة الثالث. راجع أيضاً مقالة الأنبا بيشوي عن عقيدة الكفارة.

([2]) المرجع السابق.

([3]) راجع ذلك في محاضرة له مسجلة على شريطي كاسيت بعنوان العلاقة بين الأقانيم، مؤتمر الحياة الكنسية 1998، أسقفية الشباب.

([4]) ناقشنا ذلك بالتفصيل في كتابنا: الطبيعة والجوهر والقوة الأقنومية لأقانيم الثالوث الواحد، منشور على موقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية.

([5]) راجع ردنا على هذا الادعاء بالتفصيل في كتابنا: أقنومية الروح القدس بين الإنكار وفساد الاستدلال، منشور على موقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية.

التعليقات

4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة