هل تحولت الخدمة إلى سلطة؟

لدينا وثيقة بتاريخ 6/12/2012، وبتوقيع قداسة البابا تواضروس الثاني بأن لدينا دير باسم القديس مكاريوس الأسكندري، وأن رئاسة الدير هي لنيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط الراحل، وأن مسئول الدير المعتمد في المعاملات الرسمية هو الراهب أليشع المقاري. ولكن تمر الأيام لنفاجئ ببيان يصدر بتاريخ 11/3/2015، أي بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من البيان الأول، ينفي ما جاء به، على أن الجدير بالانتباه أن هذا البيان الثاني -حسبما وصلنا- لا يحمل توقيعاً.

ما أصابني بالدهشة هو التناقض الذي لا يبشِّرُ بالخير. في الوثيقة الأولى اعترافٌ بأن هناك دير باسم القديس مكاريوس الأسكندري، وفي الوثيقة الثانية تقرير بأن هذا المكان ليس ديراً كنسياً، وإنما تجمعاً رهبانيا (!) لكن الأغرب هو الاعتراف بالرهبنة، ثم سحب هذا الاعتراف.

أكتب للتاريخ فقط، إن تجريد وشلح القمص متى المسكين كان مثار حوار بيني وبين قداسة البابا كيرلس السادس، وقد انتهى هذا الحوار إلى أن تجريد شخص من الكهنوت مسألة كنسية، تملك الكنيسة حق التصرف فيها حسب القانون الكنسي، ولكن تجريد شخص من الرهبنة هو قرار لا تملكه الكنيسة؛ لأن الرهبنة ليست درجة من درجات الكهنوت. الراهب إنسان مات عن العالم وترك كل شيء من أجل الله، من الذي يستطيع أن يعيد هذا الشخص إلى حياته الأولى؟ عندئذٍ قال قداسة البابا كيرلس: أنا غلطان، والغلط ملحوق، لكن قرار التجريد والنشر عنه في جريدة الأهرام كان مسئولية أسقف دير السريان.

أعود إلى ما حدث في هذه الأيام. من الذي يملك أن يعيد الراهب بولس الرياني، وإخوته إلى حياتهم الأولى التي تركوها؟ لا توجد قوة في السماء ولا على الأرض تملك أن تجرد راهب من الرهبنة. لا يوجد قانون كنسي يسمح بذلك، سوى قاعدة كنسية، وهي زواج الراهب. إمَّا أن يصدر قرار من بطريرك أو غيره بتجريد راهب، فهو قرار خاطئ. والرجل الشجاع هو من يتراجع عن أي قرار خاطئ، والخادم الحقيقي هو من يعتذر لمن أخطأ في حقه، أما الخائف الذي بنى قراره على سلطة تخلو من المحبة، وسلطة بلا شرعية قانونية، ويتحصن في كرامة مزيفة هي كرامة اللقب واحتقار الناس، فهو فعل من تجرد من روح الخدمة. أنا لا أقصد قداسة البابا تواضروس الثاني بالذات أو الذين حوله، وإنما أقدم تحذيراً عاماً لئلا تتحول الكنيسة إلى مؤسسة تدار بسلطةٍ تفتقر إلى المحبة، وبسلطة لا تخدم، بل تقمع.

وثمة مسألة أخرى أضعها أمام الذين يعرفون تاريخ أم الشهداء: هل لدينا اعترافٌ من الكنيسة في يوم من الأيام بأي دير مثل السريان – البراموس – المحرق – الأنبا بيشوي؟ وحتى عندما كان مطران دمياط يصول ويجول ويقول عن دير أنبا مقار إنه دير محروم، لم يتجاسر الأنبا شنودة الثالث على أن يمس الدير؛ لأنه كان يعرف التاريخ جيداً. كذلك لا يوجد لدينا اعترافٌ برهبنة باخوميوس الكبير، أو أنطونيوس أب الرهبان. ولم يحصل أنطونيوس على إذن من أحد بالرهبنة، ولا اعترفت به الكنيسة في خلال تاريخها، إلا بذكره في القداسات والسنكسار.

الخطأ التاريخي الأول هو أننا نتجاوز حرية من التصق بالله في الرهبنة، في حين أنه كان يجب علينا أن نقدم له كل تقدير ومحبة وخدمة لأنه دخل من “الباب الضيق”، لا أن نعتدي على حياته عدوان سلطة بلا محبة.

والخطأ التاريخي الثاني هو عدم الوعي بأن الرهبنة القبطية بالذات لم تحاصر الرهبنة في النذور الثلاثة: الفقر – الطاعة – البتولية، بل تركت طريق النسك حراً، إلا من أساسٍ واحد هو الموت عن العالم. وعلى من يدَّعي أن النذور الثلاثة هي تعليم قبطي أن يقدم الدليل التاريخي من كتب النسك القبطية؟

الموت عن العالم هو موتٌ اختياري، وليس موتاً قانونياً كما ساد في تشريعات الرهبنة الغربية، وأي دراسة متأنية لما كتبه يوحنا كاسيان، يجد أنه صياغة غربية لِما ساد في الرهبنة القبطية. ولعل من يدرس صلاة تكريس الرهبان، يرى أنها تخلو من ثمة إشارة إلى النذور الثلاثة.

أرجو يا قداسة البابا تواضروس الثاني، الذي خدم وسط الأطفال، ويعرف احتياجات الخدمة أن تعتذر للأخوة السبعة الذين شُهِّر بهم دون سبب. ولو كان لهؤلاء سلوكٌ غير مقبول، فالتجريد، وهو قرارٌ خاطئ، ليس هو القرار الصحيح. لقد سجَّل لنا كتاب الشيوخ عن رهبان تركوا البرية وذهبوا إلى بيوت الدعارة، ثم اكتشفوا خطأهم وعادوا إلى البرية، وقبلهم مجمع الرهبان، وظلوا رهباناً رغم خطية الزنا.

ونأتي إلى السؤال: أيُّ قانون كنسي سمح بهذا القرار، بفرض أن هؤلاء الرهبان قد سلكوا سلوكاً ضد ما هو مقبول؟

رجاء يا قداسة البابا مراجعة هذا القرار والعودة عنه إلى القرار السابق الذي يحمل توقيع قداستكم بتاريخ 6/12/2012 حتى لا نغرق في دوامة تحول الخدمة إلى سلطة.

التعليقات

3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة