ما هو المقصود بعبارة شركاء الطبيعة الإلهية

ما هو التعليم الرسولي كما ورد في الكتاب المقدس نفسه عن الشركة في الطبيعة الإلهية، أو حسب تعبير الرسول بولس “شركاء الروح القدس” (عب 6: 4)؟

شركة جسد المسيح الواحد “الكنيسة”:

الكنيسة مثل جسد الإنسان له أعضاء كثيرة، ولكنه جسدٌ واحدٌ. وتعبير الرسول بولس نفسه “كذلك المسيح إلهنا” (1كو 12: 12). لكن الانضمام إلى الكنيسة جسد المسيح حسب تعبير الرسول هو بالمعمودية “لأننا جميعنا بروح واحد (الروح القدس) أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد” (1كو 12: 13) وعندما يقول الرسول بولس “أنتم جميعاً جسد المسيح وأعضاؤه أفراداً” (1كو 12: 27) فهو يؤكد أن الوحدة التامة هي مثل وحدة الجسد الواحد الإنساني ولكن يبقى كل فرد متمايزٍ؛ لأن الجسد له أعضاء متمايزة ذكرها الرسول في نفس الإصحاح (1كو ص 12).

ما الذي يجمع الأعضاء المتمايزة ويجعلها جسداً واحداً؟

والجواب ليس فقط الإيمان، وإنما أيضاً “الرأس” الذي يحدد الرسول مكانه في الجسد الواحد مؤكداً: “الرأس الذي منه كل الجسد بمفاصل وربط متوازراً ومقترناً ينمو نمواً من الله” (كولوسي 2: 19).

الأعضاء تأتي من الرأس والكل ينمو نمواً من الله، وقبل ذلك يقول الرسول نفسه عن الرب يسوع إنه فيهـ أي في يسوع المسيح ربنا: “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً” (كولوسي 2: 9). هذا عن تجسد ابن الله. وعن الحياة الجديدة والعلاقة الجديدة التي جاء بها تجسد ابن الله يقول الرسول: “يحل كل ملء اللاهوت جسدياً وانتم مملؤون فيه الذي هو رأس كل رئاسة وسلطان. وبه أيضاً قد ختنتم غير مصنوع بيد (ليس مثل ختان اليهود في اليوم الثامن حسب الناموس) بخلع جسم خطايا البشرية بختان المسيح” (كولوسي 2: 11) لأن المعمودية كميلاد ثان ليست مثل الولادة الجسدانية، فهي ولادة من فوق، من الماء والروح القدس (يوحنا 3: 5). لقد حل ملء اللاهوت جسدياً في تجسد ابن الله لكي نمتلئ منه لأن الرب يسوع المتجسد مملوءٌ نعمةً (يوحنا 1: 14) ولذلك من ذات الملء أخذنا الامتلاء من الروح القدس في يوم الخمسين (أع 2: 4) وتردد الكنيسة هذا الإعلان الإلهي “إذ ملأت الكل بلاهوتك” (القداس الغريغوري)، فقد حلت الكنيسة كشعب الله محل “هيكل سليمان”، وصارت هي هيكل الروح القدس، وهو ما تصلي لأجله في صلوات المعمودية في سائر الكنائس الأرثوذكسية: “أعدَّهم هيكلاً لروحك القدوس بابنك الوحيد يسوع المسيح” (صلوات الخدمات ص 31)؛ لأننا نطلب الانعتاق أو التحرر من الطبيعة القديمة. “ويعتقوا من عبودية الفساد ..” (صلوات الخدمات ص 31)، ويطهروا من الخطية التي في العالم .. (ص 31)؛ لأننا جئنا بالولادة الجسدانية تحت سلطان الموت “الموت الذي دخل الى العالم بحسد إبليس (صلاة الصلح – تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس فصل 5: 2).

وهو ما يعلنه الرسول بولس: “بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت الى جميع الناس” (رو 5: 12)، وبسبب الخطية – الموت أصبح الانسان تحت قبضة الموت والفساد، وهو ما أسهب القديس أثناسيوس في شرحه في كتاب تجسد الكلمة راجع الفصول (4 – 11).

كنا تحت سلطان الموت ولا تقدر قوتنا أن تعيدنا إلى الحياة مرة أخرى، ولذلك يقول الرسول بولس: “وإذ كنتم أمواتاً في الخطايا وغلف جسدكم (الجسد غير المختون) أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا” (كولوسي 2: 13).

جاءت الحياة وردَّت إلينا ليس الحياة الآدمية الأولى، بل حياة حسب الخليقة الجديدة في يسوع المسيح، ولذلك فإن أول ما يعطي في المعمودية حسب صلوات الكنيسة هو:
اجعلهم مستحقين للنعمة التي تقدموا إليها
لينالوا من روح قدسك
ويمتلئوا من قوتك الإلهية
ويكونوا متشبهين بابنك الوحيد ربنا يسوع المسيح
صائرين واحداً معه (صلوات الخدمات ص 32)
هذه القوة الإلهية تشرحها نفس الصلوات على أنها تحول:
من الظلمة إلى النور
من الموت إلى الحياة
من الضلالة إلى معرفة الحق
خلاصاً أبدياً
ولدهم مرة أخرى بحميم الميلاد الجديد ومغفرة خطاياهم …
أعدهم هيكلاً لروحك القدوس بابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا (صلوات الخدمات ص 32 – 33).

وتشرح الصلوات ماذا يحدث للإنسان الجديد أو الخليقة الجديدة:
“وطِّد إيمانهم لكي لا يفرقهم منك شيئاً” (صلوات الخدمات ص 34)؛ لأن اتحاد اللاهوت بالناسوت في ربنا يسوع المسيح هو الذي هدم كل قوة الانفصال التي انشدها رسول الرب يسوع المسيح:

لا موت … لأن الرب هدم الموت
ولا حياة … حسب ناموس الخطية
ولا ملائكة
ولا رؤساء
ولا قوات … لأن الرب صالح السمائيين مع الأرضيين.
ولا أمور حاضرة … الموت الجسداني
ولا مستقبلة … يوم الدينونة يوم فصل الخراف عن الجداء
ولا علو … لأنه صعد بنا إلى السماء
ولا عمق … لأنه سبى الجحيم
ولا خليقة أخرى … لأننا نحن الخليقة الجديدة.

كل هذه القائمة التي تشمل ما في السماء والأرض لا تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في يسوع المسيح (رو 8: 38 – 39).
ولذلك نحن نُغرس في “شجرة الزيتون اللذيذة. في كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية” (صلوات الخدمات ص 35).
هذا تعبِّر عنه الصلوات حسب الإيمان الأرثوذكسي أن:
يقبلوا النور
خاتم مسيحك
موهبة روحك القدوس
ويصيروا حلة نورانية.

والحلة النورانية تشرحها فقرة أخرى في صلاة قسمة الابن في عيد القيامة:
نحن الجلوس أيضاً في الظلمة زماناً
أنعم علينا بنور قيامته
من قبل (بواسطة) تجسده الطاهر
فليضيء علينا نور معرفتك الحقيقية
لنضيء بشكلك المحيي” (راجع الخولاجي المقدس – الدير المحرق ص 580).

لأن هذا هو النور الإلهي الذي نراه في الأناجيل في تجلي الرب يسوع على جبل طابور. وقد أسهب الآباء في شرح هذه النقطة بالذات ونحيل القارئ على كتاب الكاهن الأرثوذكسي الأب:John A. McGuckin, The Transfiguration of Christ …, 1987. ISBN 0-88946-609-2
فنحن لا نملك في يسوع المسيح حياة ترابية مثل حياة آدم الأول، بل بواسطة الرب وكما تعلن صلوات المعمودية: صرنا أبناء النور – خرافاً للقطيع المقدس .. أعضاء نقية للكنيسة … وارثين الملكوت .. (صلوات الخدمات ص 36).

لسنا في آدم الأول .. الإنسان الأول ترابي من الأرض (1كو 5: 47). وهذا هو ما تعلنه صلوات المعمودية:
أدع عبيدك يا سيدي إلى نورك الطاهر
اجعلهم مستحقين هذه النعمة العظيمة التي للعماد المقدس
عرِّهم من الإنسان العتيق
جدد ميلادهم بالحياة الأبدية
أملأهم من قوة روحك القدوس
بمعرفة مسيحك
لكي لا يصيروا بعد أبناء الجسد، بل أبناء الملكوت
بمسرة نعمة ابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا (صلوات الخدمات 38) وعند سكب الميرون في جرن المعمودية يقول الكاهن نسألك يا ملكنا عن عبيدك
انقلهم
أبدلهم
قدسهم
وقوهم .. (الخدمات ص 50)

إنها ذات اللغة الليتورجية الآبائية التي تُستخدم في تحول الخبز والخمر إلى جسد ودم ربنا يسوع المسيح عند استدعاء الروح القدس.
ليحل روحك القدوس
علينا
وعلى هذه القرابين
يطهرها
وينقلها
ويظهرها
قدساً لقديسيك (صلاة استدعاء الروح القدس – الخولاجي – المرجع السابق ص 271)

لقد انتقلنا من الموت إلى الحياة. هذه ليست حركة سحرية، بل بقوة الروح القدس .. بالسلوك أيضاً الذي يعلن قوة سر المعمودية … نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة؛ لأننا نحب الأخوة … من لا يحب أخاه يبق في الموت … كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس وأنتم تعلمون ان كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه” (1يوحنا 3: 14 – 15).

لكن كما رأينا لسنا بعد أبناء الجسد، بل أبناء الحق مولودين من الماء والروح القدس … هذه هي صفات الخليقة الجديدة.

هل تُعطى الخليقة أو الخلق الجديد بواسطة قوة مخلوقة؟ الجواب بالإيجاب ينقل كل هذا من الأرثوذكسية إلى الأريوسية التي ترى في الابن ربنا يسوع مخلوقاً لا يقدم لنا أي شركة في حياته. وعندما يقول الرسول “لكي تمتلئوا الى كل ملء الله” (افسس 3: 19). فما هو هذا “كل ملء الله” إنه حسب التعليم الرسولي الذي يسبق هذا التصريح العظيم:

  • لكي يعطيكم بحسب غنى مجده ان تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن.
  • ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم.
  • وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة.
  • حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين
  • ما هو العرض والطول والعمق والعلو
  • وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة
  • لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله” (أفسس 3: 6 – 19).

يسكن فينا الروح القدس ومعه وفيه يأتي الابن ربنا يسوع، وفيه الآب أيضاً “إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً” (يوحنا 14: 23). نحن نمتلئ من حياة الرب وهي لا تُعطى من الناسوت دون اللاهوت “أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ” (غلا 2: 20) ولم يفصل بولس العظيم بين اللاهوت والناسوت؛ لأن الذي قال “من آمن بي ولو مات فسيحيا” (يوحنا 11: 25) كان يعني أن الحياة هي “حياة حسب الله بالروح القدس” (1بطرس 4: 6). وعندما يقول الرسولان الآب “أرسل ابنه الوحيد لكي نحيا به” (1يوحنا 4: 10)، “نحن نحيا لله بالمسيح يسوع” (رو 6: 11) وعندما تظهر حياة يسوع فينا (2كو 4: 11) لأننا “نحلص بحياته” (رو 5: 10)، ولم تكن هذه هبة حياة للخليقة الجديدة بشكل مؤقت، بل هي حياة أبدية هي هبة الله في حياة أبدية بالمسيح (رو 6: 13) هي من الله “الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه” (1يوحنا 5: 11)، أقول لو كانت هذه الحياة غير حياة الابن ذاته .. لعُدنا إلى آدم الأول والى الموت الأبدي.

هل هي حياة يسوع نفسه؟ نعم؛ لأنه هو “حياتنا كلنا” كما نقول في أوشية الإنجيل، وهذا صدى لكلمات الرسول “لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح” (فيلبي 1: 21)، ولذلك يكتب الرسول بثقة “بولس رسول يسوع المسيح .. لأجل وعد الحياة التي في يسوع المسيح” (2تيمو 1: 11)؛ لأن هذه الحياة المائتة سوف تؤول إلى حياة كاملة أبدية في اليوم الأخير.

هل هذا عمل مخلوق؟ بكل يقين لا. والإدعاء بأن الحياة الأبدية هي حياة أخرى غير حياة الله نفسه = الإدعاء بأن يسوع المسيح = مخلوق مثلنا.
وأخيراً: ماذا تقول صلواتنا عن مسحة سر الميرون؟

مسحة عربون ملكوت السموات:
وملكوت السموات ليس عطية أرضية مخلوقة. ونحن نأخذ العربون هنا ولكن الكمال في اليوم الأخير.

دهن شركة الحياة الأبدية غير المائتة:
وغير المائت هو الله وحده .. الذي له عدم الموت (1تيمو 6: 16).

مسحة مقدسة للمسيح إلهنا وخاتم لا ينحل:
وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء (… فالمسحة التي أخذتموها منه (يسوع المسيح) ثابتة فيكم .. (1يوحنا 4: 20 و27).

كمال نعمة الروح القدس ودرع الإيمان والحق:
وهنا لا توجد أي إشارة إلى مواهب الروح القدس، بل إلى سكنى الروح القدس فينا.

كل هذا يكوِّن الكنيسة جسد المسيح:
فهل هذا تجمع بشري لا دخل لله أو اللاهوت فيه؟ كيف يمكن أن يحدث هذا؟ وكيف يمكن أن تنفصل الرأس، أي المسيح عن الجسد الأعضاء؟
هذا ليس تجمعاً بيولوجياً جسدانياً؛ لأنه يستحيل – حسب كل قوانين الطبيعة – أن نجمع البشر ونجعل كل فرد عضواً في جسد واحد له رأس واحد هو مصدر حياة الجسد، إذا لم يكن لاهوت الرب هو الذي يجمعنا فيه لكي يصير لنا ذات قوة الاتحاد بين اللاهوت والناسوت.

نحن لا نخاف من تهديدات بشرية تصل إلى حد الاتهام بأننا ننادي باتحاد اقنومي بين البشر والله .. هذا كذب، وعلى من يتهموننا أن يجيبوا: ما هو مصدر الثبات .. الأبدية .. عدم الانفصال … الخاتم الذي لا ينحل .. الحلة النورانية .. هيكل الروح القدس وسائر العطايا؟
ليس ما لدينا نحن من قوة بشرية، بل ما أعطاه الرب يسوع لنا إذ صار اتحاد لاهوته بالناسوت هو ينبوع كل هذه العطايا الثابتة ثبات اتحاده بناسوت مثل ناسوت كل المؤمنين.

لو كان الرب قد جاء بعدم ثبات مثل عدم ثبات آدم، لقلنا للمعترض إنك على صواب .. هل يؤدي ثباتنا في المسيح إلى اتحاد أقنومي؟ لا تجعل رعب الشك يسري في كيانك؛ لأن المسيح إله متجسد، أمَّا أنا وأنت، فنحن بشر متألهون ومركز الحياة فينا هو الطبيعة المخلوقة التي نُقلت من آدم الى المسيح “كما في آدم يموت الجميع، هكذا (أي حسب سريان الموت في الكل) في المسيح سيُحيا الجميع (أي حسب سريان الحياة غالبة الموت التي لا أصل لها في الخليقة الأولى الآتية من العدم) (1كو 15: 22).

لقد تم قول الرب “تعييرات معيريك وقعت عليَّ” (مزمور 96: 9) ولكن قبل ذلك يقول المزمور نفسه “غيرة بيتك أكلتني”؛ لأن بعث تعليم الآباء جلب علينا هذه الأتعاب.

(يتبع)

التعليقات

31 تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة