الشِّركُ في المحبةِ توحيدٌ صحيح

الشِّركُ في المحبةِ توحيدٌ صحيح

مناجاة للمتنيح الأنبا شنودة الثالث

 

لعلك الآن، وقد شربتَ كأس الموت الجسداني، تكون قد أدركت أن كأس الحياة الأبدية وعربون القيامة ليس فينا ولا هو منا. لا أنت ولا نحن خالدون بالطبيعة الإنسانية المخلوقة من العدم، بل خالدون بحسب الإنسان المخلوق حسب الله بالنعمة من جديد؛ لأن الخلود هو تألُّه الإنسان، فالله وحده هو الخالد، وهو وحده الذي أشركنا في خلوده هو، فلا يوجد خلودٌ مخلوق.

لعلك تكون الآن قد أدركت أن الاتهام بالشِّركِ، إنما يعني تأليب الجماعات المسلحة لكي تقتلني، فهذا الاتهام ليس إلا بلاغاً منك موجَّهٌ إليهم، وإن كان لهؤلاء ولازال معارك أخرى مع الدولة والأمن، فليس مع شخصي. الشِّركُ في الدين الحنيف، دين الإسلام هو عبادةُ آخر مع الله، وهو ما لم يدُر بالمرة في قلب أو في فكر أو في أي سطر نُشِرَ للأب متى المسكين، ولا لكاتب هذه المناجاة، ولا وجود له حتى في شرائط الكاسيت التي زوَّرها مطرانك.

نحن شركاء الطبيعة الإلهية (2بط 1: 3)، بل وشركاء الروح القدس (عب 6: 3)، وهو، أي الروح القدس ليس مخلوقاً مثلنا؛ لأننا بالروح القدس، نشترك في قداسة الله (عب 12: 10)، وهو ما عبَّر عنه رسول رب المجد: “شركة الروح القدس” (2كو 23: 14). لقد نهي الإسلام عن الشرك بالله، وقد سبقته المسيحية في ذلك بنحو 600 عام، ولكن خصوصية بشارة الإنجيل في أنها جاءت بعطية الحياة الأبدية، وهي هبةٌ “من الآب في ابنه يسوع المسيح”، وهي “هبة”؛ لأنها ليست من الإنسان” (رو 5: 21)، فصار الإنسان “أبدياً” مثل خالقه، يحمل معه وفيه هذه العطية التي لا أصل لها في كياننا البشري، بل تُوهَب لنا لكي يبقى الإنسان شريكاً في حياةٍ تعلو على الحياة الترابية.

لعلك تكون الآن قد أدركت أن محبة الله هي أبدية، وأنها تنسكب فينا بالروح الأبدي، روح الله (رو 5: 5)؛ لكي تصبح عطيةً أبديةً ترفع الإنسان بالنعمة لا لكي يُعبَد، بل لكي ينال التبني.

لعلك تكون الآن قد أدركت أن ما كنت تحاربه هنا على الأرض، قد صار ميراثك الأبدي. والمجد الذي رفضته هنا بسبب زعامة زمانية، لعل روحك برحمة الله -بعد أن زال حجاب الجسد- تراه الآن، ولعلك تقبله لكي تحيا إلى الأبد.

هذه صلاتي لمن أشركنا في محبته لكي نوحِّده ونرفعه فوق كل اعتقادٍ آخر، فهو الله الواحد خالقنا، الذي أشركنا في محبته لكي نوحِّده ونعترف به إله المحبة الذي أحيانا به.

د. جورج حبيب بباوي

التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة