مصر وكنيسة مصر – 8 الرئيس قبل الدستور أم بعده

ما أكثر الأغاني التي كانت تمجِّد الرئيس جمال عبد الناصر، وهو بلا شك رجلٌ عظيم، ولكنه في الوعي الشعبي “البطل اللي جابه القدر”، وكان الشعب “على موعد مع القدر”، ورحل عبد الناصر وضُربت مشاريع وطنية وعربية …

والصراع الدائر الآن بين القانونيين والسياسيين في أروقة المحاكم والإعلام والأحزاب، إن هو إلاَّ محاولة لوضع دستور لمصر يخلق الوضع القانوني والدستوري للرجل الذي سوف يرث تركة ثقيلة تراكمت عليها مشاكل مزمنة بعضها يعود إلى ثورة 1919 مثل مشكلة محو الأمية، التي لم تجد حلاً على مستوى الوطن .. ومثل توطن البلهارسيا التي قضت عليها الصين في مشروعٍ لم يستغرق أكثر من 5 سنوات .. والآن البطالة، ونقص فرص العمل .. والصراعات السياسية التي يلعب فيها الفرقاء أدواراً أبعد ما تكون عن مصلحة البلد.

أن يجيء الدستور قبل انتخاب رئيس الجمهورية، فهذا هو الوضع الدستوري الصحيح .. أمَّا التأجيل، فهو تأجيل للمشكلة وليس حلاً لها.

البابا الـ 118

سمعنا أكثر من مرة أن تغيير لائحة 1957 سوف يقوم به البابا الـ 118.

هذا هراء واستخفاف بعقول أبناء وبنات الكنيسة، الذين هم العمود الفقري لحياة الكنيسة، أي دم حياة الكنيسة، أي المستقبل.

ما هي أسباب الحكم على هذا بأنه هراء؟

أولاً:

لا يذكر كل، أو لا يعرف معظم الـ 117 أسقفاً الذين تركهم الأنبا شنودة أنه بعد رسامته، أو بالحري تجليسه، كان هو والأنبا صموئيل والأنبا أثناسيوس مطران بني سويف، وأحياناً القس شنودة السرياني يذهبون كل يوم اثنين لقضاء يوم كامل في كنيسة كوتسيكا لترتيب حياة الكنيسة .. ولكن هذه الاجتماعات لم تدم أكثر من 5 مرات وانفرط العقد، والسبب في ذلك هو الاختلاف في الرأي، وكان أحد أسباب الخلاف أن يُسلِّم نيافة الأنبا صموئيل حسابات أسقفية الخدمات للبطريركية، وهو طلبٌ رفضه الأنبا صموئيل والأنبا أثناسيوس .. إضافةً إلى أمور أخرى لم يعد ذكرها ضرورياً في الظروف الحالية.

فهل نعي الدرس؟!!!

ثانياً:

الرئيس القادم تساعده مؤسسات دستورية، وله مهام يحددها الدستور، وهو رئيس السلطة التنفيذية، كما أن هناك برلمان هو السلطة التشريعية. أمَّا في كنيسة مصر التي لا تزال تعيش بعقلية الأتراك العثمانيين، فلا سلطة تشريعية، ولا توجد سلطة تنفيذية، ولو تراجع البطريرك الـ 118 عن تطبيق ما سوف يعد به، فلا جهة تحاسبه، ولا يملك أحد أن يحاسبه في ظل تخلف هيئة قانونية مستقلة تملك أن تحاسبة.

أفلا نخلق مثل هذه الهيئة الآن قبل أن نبكي على اللبن المسكوب؟!!!

ثالثاً:

سمعنا أن عدم ترشيح الأساقفة سوف يؤدي إلى انقسام في الكنيسة ..

تلك فزاعةٌ، وربما الأصح فزعة لإدخال الخوف على قلوبٍ لا تعرف الشهادة .. فزاعة نُسبت لنيافة الأنبا باخوميوس في اجتماعٍ مع كهنة الإسكندرية ..

حسناً من يريد الانفصال عن الأم لأنه كان يريد أن يكون بطريركاً وفشل، يحكم على نفسه بالفساد الأخلاقي، بل والفساد العقيدي؛ لأنه يمزق جسد المسيح الواحد.

أوَ نترك نفوسنا للخوف والوهم يتأكَّلنا تحسباً لفسادٍ أخلاقي أو عقيدي يمكن احتوائه، بل والقضاء عليه بيقظة شعب الكنيسة؟!!!

رابعاً:

إن الاتفاق على تكوين مؤسَّسة كنسية ليس مسئولية الزعيم الذي سيأتي مع القدر، بل هي مسئولية الشعب. ولو نام الشعب، فسوف يجني ما يمكن أن يقع فيه البطل – الذي سيجيء مع القدر – من اخطاء ..

هذا خللٌ كبير لا يجب أن تسمح به الكنيسة، ولا يسمح به الشعب مهما كانت التكلفة.

هذا الخلل معيبٌ جداً، كأننا نعجز عن إعادة ترتيب البيت القبطي، وكأن العقول جفت، وكأن القدرات انعدمت ولم يعد لدينا الكفاءة لأنْ نرتِّب البيت لكي يأتي بطريرك يرى بيتاً نظيفاً مرتباً.

وإذا تركنا هذا حتى لهيئات تعمل مع الرجل القادم، فإن التأجيل في ذاته يصبح تأخيراً للحوار، وبالتالي يصبح التأجيل جزءً من المشكلة.

إن مصر التي انجبت كنيسة مصر تسير في الطريق الصحيح، رغم المعاناة والعوائق .. ولكن عندما تتخلف البنت عن مسيرة الأم، فإن وجود الابنة يصبح وجوداً معلَّقاً في كف القدر؛ لأن الابنة لم تتعلم بعد من درس الوطن الذي تعيش على أرضه كيف تفكر وكيف تخطط .. ومن لا يحسب حساب النفقة – كما قال رب الحكمة – فليعلم أنه سيكون محطاً للسخرية .. الله يرحمنا.

التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة