الضلالة الكبرى في محنة اختيار البطريرك الـ 118

في عدة لقاءات عقدها أساقفة الجهل، قالوا للشعب – الذي غاب عنه الوعي الكنسي – إن القوانين التي تمنع انتقال أسقف من إيبارشية إلى أخرى والتي تؤكد بطلان كل ما فعله هذا الأسقف – لو طُبِّقَت كما هي – فهذا يعني أن كل الرسامات التي تمت في عهود الأنبا يؤانس، والأنبا مكاريوس، والأنبا يوساب هي رسامات باطلة وكل ما ترتب عليها هو باطل .. وهذا يعني أنه لا وجود حقيقي للكنيسة القبطية، وأن الأسرار باطلة، ولذلك يجب الاستمرار في نقل أساقفة الإيبارشيات!!!!

هذه ضلالةٌ كبرى لا مثيل لها حتى في العصر الوسيط، بل هي سحابة الشيطان التي تخفي مجد المسيح.

الأسس الشيطانية التي بُنيت عليها هذه الضلالة

أولاً: تمزيق جسد المسيح:

الكنيسة هي جسد المسيح الواحد، وهو التعليم الرسولي المُسلَّم من ربنا يسوع المسيح. هي المسيح الرأس، ونحن البشر – عبر كل العصور – أعضاء جسده (1كو 12: 12 – 12: 27) “وأمَّا أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً”. هذا الجسد كوَّنه الروح القدس في أحشاء البتول لكي يصبح آدم الأخير (1كو 15: 45)، ولكي يكون بداية ورأس الخليقة الجديدة (1كو 15: 45 – 2كو 5: 17). هذا عمل الله الآب في ابنه يسوع المسيح ولا دخل للبشر فيه. الكنيسة متحدة بالمسيح، وقد سبق العهد القديم ورسم صورة هذا الاتحاد بالجسد الواحد للرجل والمرأة؛ لكي ينقل رسول الرب يسوع، الوعي بالحقيقة الأبدية عن السر العظيم، وهو أننا جسده .. “لايبغض أحدٌ جسده قط بل يقوته (يعطي له الطعام والكساء .. الخ) ويربيه كما الرب أيضاً للكنيسة”؛ “لأننا أعضاء جسمه من لحمه وعظامه” (أفسس 2: 29 – 32). هذا هو السر العظيم الذي اختاره الله الآب، ولا دخل لإرادة الإنسان فيه، ولا توجد سلطة كهنوتية إنسانية كوَّنت جسد المسيح، بل مسرة الله الآب وحلول الروح القدس على القديسة مريم.

تلك هي العقيدة، وتلك هي حقيقة علاقتنا بالرب يسوع.

ولكن، ولكي يؤسِّس الشيطان هذه الضلالة – التي أشرنا إليها في بداية هذا المقال – بدأ بإنكار أن الكنيسة جسد المسيح، وهكذا كتب عاملٌ من عُمَّال الشيطان ليقول إن هناك ثلاثة أجساد:

– جسد المسيح المولود من القديسة مريم.

– جسد المسيح في الإفخارستيا.

– جسد المسيح الكنيسة.

ولكن الشيطان وقع في بئر كذبته الرديئة؛ لأن جسد المسيح المولود من القديسة مريم هو جسد المسيح في الإفخارستيا. والمدهش أن مَن كتب عن الأجساد الثلاثة كان أسقفاً، أي أنه كان يصلي على الأقل ولو مرة في السنة القداس الإلهي الذي يؤكد في الاعتراف: “أعترف إلى النفس الأخير أن هذا هو الجسد المحيي الذي لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، أخذه من سيدتنا ملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم وجعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير”. ولم تقف صلاة الاعتراف عند التجسد، بل “وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة بإرادته وحده عنا كلنا. بالحقيقة أؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياةً أبديةً لمن يتناول منه. أؤمن أؤمن أؤمن أن هذا هو بالحقيقة أمين” (خولاجي الدير المحرق 335 – 336).

وهذا الاعتراف – حسب منطق الشيطان – يجعلنا أمام جسدين لا ثلاثة، طالما أن جسد الرب المولود من القديسة مريم هو نفسه جسده في الإفخارستيا. ويبقى الجسد الثالث: الكنيسة، وهو ليس جسداً ثالثاً – كما كان يظن الراحل الذي نطلب له الرحمة ليلاً ونهاراً – بل هو المسيح ذاته الذي يعطي جسده لنا لكي نكون نحن جسده، أي تكون فينا ذات الحياة التي في جسده، وهو ما تعبِّر عنه كل الصلوات. ولكن الأسقف الذي لم يكن يعرف معنى صلاة الاعتراف، أنكر شركتنا – بالتناول – في اللاهوت، وقال إننا نشترك في الناسوت فقط، وسكت أساقفة الجهل على تعليمه النسطوري الفج، ولكن خلف تمزيق المسيح الواحد، ظهرت الضلالة التي تقول إن الكهنة هم أساس الكنيسة وليس المسيح، فهم إذن جسد الكنيسة، وهم إذن البديل لتجسد ابن الله، وهم إذن الذين حذفوا المسيح بالكامل لكي ينفردوا بالشعب بلا ضابط وبلا مرجعية.

ثانياً: المسيح الغائب في فكر قيادات الضلال.

إذا كانت الكنيسة هي جسد المسيح الذي “جعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير”، وإذا كان هو “رأس الجسد الذي منه، أي من الرأس كل الجسد .. حسب عملٍ على قياس كل عضو (جزء) يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة” (أفسس 4: 15 – 16)، فالمسيح لا يمكن أن ينفصل عن جسده؛ لأن الانفصال هو ضد المحبة الغالبة التي تغنَّى بها رسول المسيح في (رو 8: 35 وما بعدها)، فلا شيء يمكنه أن يفصل المسيح عن المؤمنين أعضاء جسده. هذا ضد ما ينكره أساقفة الجهل، أي الاتحاد الأقنومي الذي هو أساس الكنيسة الذي فتح لنا شركة الحياة الإلهية التي أنكرها مجمع الكذب بتوقيع 72 أسقفاً من أساقفة الجهل بحرمي من شركة الكنيسة القبطية، تحت بند الحرب على الشركة في الطبيعة الإلهية؛ لأنها – حسب ادعاء واحدٍ منهم – هي “الشرك” الذي يحاربه الإسلام. وقد زجَّ هؤلاء باسم الإسلام طمعاً في انتقام الإسلام السياسي من المشركين، ولكن كان للإسلام السياسي معاركه مع حكم حسني مبارك، فلم يهتم بهذا الإدعاء بالمرة.

العناصر الأساسية لهذه الضلالة:

هكذا ظهرت الأفعى على مراحل متفاوتة لتقود أكبر حركة ردة في العصر الحديث:

* الإرتداد عن سكنى روح الله باسم الحلول المواهبي.

* الإرتداد عن نعمة الحياة الأبدية في الإفخارستيا؛ لأن الجسد لا يعني حياة أبدية، في حين أن المسيح المتجسد هو واهب الحياة الابدية بالشركة في جسده ودمه.

* الإرتداد عن الايمان بكنيسة واحدة رأسها المسيح وحده، وهي في السماء وعلى الأرض.

* وأخيراً تُظهر الأفعى الرأس، أي رئاسة البطريرك والأساقفة. أمَّا ذيل الأفعى، فهو أن كل شيء في الكنيسة مصدره الأساقفة بنوعٍ خاص.

عجيبٌ جداً أن تلد الكنيسة نفسها ولا تُولد من الله.

مخيفٌ جداً أن يكون ينبوع الحياة بشراً مائتين، وأن هؤلاء البشر لا يولدون من فوق في الولادة الجديدة، أي المعمودية، التي هي ليست من الكهنة والماء والروح، بل من الماء والروح حسب قول الرب نفسه (يوحنا 3: 5)، لكن الكاهن هو خادم السر لا مصدره، وبالتالي لا يستطيع أن يقول كما قال أحدهم: أنا الكنيسة، أنا أمسك كل شيء “بقبضة الحق”، أو كما قال أسقف آخر: إنني استدعي الروح القدس من داخلي، وهو تسليم الأنبا شنودة الثالث (وإن كان لم يكتب هذا الكلام بالمرة، ولذلك، فهو بريء لأن هذا الكلام على الأقل غير مدون).

هكذا دخلت روحُ عصرٍ غاب فيه الوعي الوطني وتراجعت فيه قوى المعارضة الوطنية أمام المعتقلات والسجون، بل والقتل تحت التعذيب؛ لكي يسري ذات الداء في منع صلاة الجناز – حرمان المعارضين – تهديد الآباء الكهنة للعلمانيين بقولهم بالحرف: مش هنجوز ابنك ولا بنتك، بل وصل الأمر في بعض المواقف بالتهديد باستخدام مباحث أمن الدولة.

واضح إذن أن هذه الضلالة لا يمكن أن تقوم أو تستقر إلاَّ بإنكار كهنوت المسيح، وإنه هو مصدر وموزِّع العطايا والأسرار، وفي هذا يقول ذهبي الفم:

“هذه الذبيحة لا تخص مَن يقدمها سواء أكان هذا بطرس أم بولس. هي ذات الذبيحة التي أعطاها المسيح لتلاميذه والتي يقدمها الكهنة. تقدمة اليوم لا تختلف عن التقدمة التي قدمها المسيح، وهي ليست أقل من تقدمة المسيح؛ لأن الذي يقدِّسها ليس البشر عندما يقدمونها الآن، بل هو المسيح ذاته الذي يقدِّس ما يخصه” (عظة 2: 4 على الرسالة الثانية إلى تيموثاوس).

ويقول القديس غريغوريوس النيسي:

“لقد قدَّم المسيح ذاته لنا. هو الضحية والذبيحة والكاهن أيضاً، وهو “حمل الله الذي يرفع خطية العالم” (المقالات والعظات نشرها Jaeger مجلد 9 ص 287).

فالمسيح إذن هو الذي يُبارك ويوزِّع جسده. والكاهن – مهما كان – هو خادمٌ فقط، وهو ما تؤكده القداسات الأرثوذكسية للقبط والروم والسريان والأرمن.

فكيف جاءت هذه الضلالة؟

الحل في كلمة حق يُراد بها باطل، فحتى يمكن السيطرة على مقادير الشعب، تم استخدام ما هو صحيح، بشكلٍ شيطاني، كيف تم ذلك؟ المسيح هو الأسقف والقس والشماس حسب شرح زكريا ابن سباع في كتابه “الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة”، وقد نشر النص المحقق الأب المستشرق فيكتور منصور مستريح، ص 68 – 70).

المسيح يخدم في الأسقف والقس والشماس؛ لأن الكهنوت واحد، لأن الرب الواحد هو يسوع المسيح، وتنوع المسئولية واختلاف الخدمات لا يقسِّم الكهنوت.

وإن كان هذا التقسيم قد ظهر في حوار ساخن بين نيافة الأنبا بفنوتيوس والعلامة الكبير صاحب الـ 15 لقباً التي أعطاها هو لنفسه في رئاسة الكهنوت. واستخدم نيافة الأنبا بفنوتيوس تعبير “أعمال رئاسة الكهنوت”، وهو التعبير الطقسي الوارد في كتاب الرسامات، فالأب البطريرك ليس رئيس كهنة، بل هو يرأس الأعمال الكهنوتية، ليس بمعنى الرئاسة، أي الانفراد بالسلطان حسب المدلول السياسي الشائع، بل الرئاسة بمعنى التفويض الذي أعطاه الملك والسيد للخدم.

وهذا هو نص زكريا ابن سباع:

“الباب التاسع والعشرون – في ذكر خدمة السيد المسيح – الرتب التي حدَّت حدوده في الخدمة:

أمَّا خدمة سيدنا المسيح في رتبة الأغنسطس، فهو عندما دُفِعَ إليه السفر، فقرأه … لأن شرح الأغنسطس، أي القارئ. وخدم سيدنا له المجد في رتبة الايبوذياقين “الأعوان” (ص 68).

“وكذلك صنع سيدنا له المجد محصرة من حبل .. وقلب موائد الصيارفة. أمَّا رتبة الشماس، فقد خدم فيها أيضاً وقال إن ابن الانسان لم يأت لكي يُخدم، بل ليخدم ويبذل نفسه عن كثير .. فالمسيح غسل أرجل تلاميذه. وتفسير الشماس، الخادم”.

“أمَّا رتبة الارشيدياكون، فقد خدم فيها المسيح، وهي أمره لتلاميذه امضوا وتلمذوا كل الأمم” (ص 70).

“أما رتبة القسيس، فقد خدم فيها المسيح أيضاً، وهي الخامس رتبة من السبعة، وذلك أنه أخذ الخبز .. خذوا كلوا هذا هو جسدي .. أما رتبة الإغومينوس، الذي هو رتبته في البيعة قراءة التحليل على مَن هو دونه.

أما رتبة الأسقف فقد خدم فيها المخلص؛ لأن شرح الأسقف، المفتقد. أمَّا رتبة البطركية فقد أكملها المخلص قبل صعوده .. نفخ في وجوههم وقال أقبلوا الروح القدس”. (الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة – دراسات شرقية مسيحية في الكنيسة المصرية – القاهرة 1966 – وقد نشرنا النص كما هو بدون تعديل).

واضحٌ إذن من النص أنهم استبدلوا أنفسهم بالمسيح، فتحولوا – في نظر أنفسهم – إلى مصدر، إلى ينبوع، في حين أنهم – كما قلنا سلفاً – مجرد خدام للسر، حتى وإن كانوا – بحسب ذهبي الفم – يعيرون الرب أيديهم وألسنتهم أثناء الخدمة.

وإن كنا سمعنا صوت زكريا بن سباع فيما سلف، فعلينا أن نستمع لصوت ذهبي الفم فيما يخص الأساقفة الذين رُسِموا بالسيمونية، أو بواسطة أسقف نال رتبة البطريركية، أو نُقلوا من كراسيهم، يقول ذهبي الفم في العظة الثانية على رسالة تيموثاوس الأولى 1: 12:

“يقول الرب: “على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون” (متى 23: 2 – 3)، هل تعرف من هو القس؟ هو ملاك الرب .. إذا احتقرته، فأنت لا تحتقره هو، بل الله الذي رسمه (أقامه)، ولكن عندما تسألون كيف يمكن أن يكون الله هو الذي رسمه؟ حقاً إذا كان العكس هو ما تفكرون فيه، فإن رجاؤكم باطل؛ لأنه لو كان الله لا يعمل من خلال ما أسَّسه هو، فأنتم بلا اغتسال (المعمودية) ولا شركة لكم في الأسرار، ولا في بركات الله، ويبقى لكم أن تسألوا هل أنتم مسيحيين؟ وماذا تقولون: هل الله هو الذي يرسم الكل حتى غير المستحقين لكي يخلص الشعب؟ إذا كان الله قد تكلَّم من أجل الشعب بواسطة حمار بلعام وهو رجل شرير، فالأجدر به أن يتكلم بواسطة فم الكاهن، وإلاَّ ماذا يقول الله وماذا يفعل من أجل خلاصنا؟ بواسطة مَن من البشر لا يعمل الله؟ ألم يعمل الله من خلال يهوذا (الاسخريوطي) والذين مثله، وهؤلاء “تنبأوا”، وقال لهم: “إني لم أعرفكم قط، أذهبوا عني يا فاعلي الشر” (متى 7: 22 – 23) وإذا كان بعض هؤلاء أخرجوا شياطين ألا يجدر بالله أن يعمل من خلال الكهنة؟ لأننا لو أصبحنا قضاة نفحص حياة الذين يدبرون حياتنا، فبالأولى أن نكون نحن الذين نرسمهم”.

وبعد أن يعظ القديس يوحنا ذهبي الفم عن عدم دينونة الكاهن، يقول:

“إذا علَّم تعاليماً ضالة – رغم أنه ملاك – فلا تطيعه، أمَّا إذا علَّم بالحق، فكن على حذر لا تفحص حياته، بل افحص كلماته” (المرجع السابق).

الفزاعة إذن بلا مبرر؛ لأنه لو أن هناك حماراً مثل حمار بلعام، لوجد الرب فيه الوسيلة لتقديم الأسرار كلها. ولو كانت خطية الإنسان تتدخل في عمل الرب يسوع، ما خَلُصَ أحدٌ بالمرة، وما وُجِد إنسانٌ واحدٌ في الدنيا بأسرها يستحق أن يتناول جسد الرب ودمه.

وعلى ذلك، الكلمات التي تقال في الصلاة هي وسيلة استعلان السر؛ لأن القوة ليست في الكلمة، ولكن في التدفق الدائم لعمل الرب يسوع ونعمته. فهو الذي يعمد، وهو الذي يمسح بالميرون، وهو الذي يعطي جسده ودمه، وهو الذي يرسم ويقيم كل رتب الكهنوت.

إذا كان الأمر على هذا النحو، فلماذا حُرِّمت السيمونية؟

السيمونية لا تُبطل نعمة المسيح، ولكنها عُوقبت لأنها طريق سيمون الساحر الذي يريد أن يحول النعمة إلى سحر، وعندما تباع النعمة الإلهية تصبح الكنيسة مؤسسة تجارية وليست جسد المسيح.

صوت القانون الكنسي وشهادته:

كلمة “القانون” تعني “الدفة”، وهكذا يجب أن نفهم القانون كدفة الكنيسة؛ لأنها تقود الكنيسة إلى “ميناء الخلاص”. وعندما تؤصف القوانين أن ما يقوم به الأسقف الذي نُقِلَ من إيبارشية إلى أخرى بأنه باطل، فهي لا تذكر عقوبة ما، وعدم ذكر عقوبة الأسقف يؤكد أن بطلان عمله يتمثل في انعدام شهادته وسلوكه للمحبة والخدمة، وهذه عقوبة ثقيلة لمن يعرف أن يرى، فقد طلب إيبارشية أغنى وأكبر ولم يعد يشتهي الخدمة، بل أراد أن يرضي نزعات وشهوات نفسه، وهو ما يُسقط أعماله في العدم، ولكنه لا يُسقط عمل النعمة؛ لأن – كما ذكَّرنا ذهبي الفم – كان يهوذا يُخرج الشياطين، ومعنى ذلك أن ما قام به من عمل هو صحيح رغم أن علاقته وشركته في الرب كانت غير كافية لتقوده للتوبة بعد سقوطه المريع. هذا المثال يؤكد لنا أن الله يعمل في الكل من أجل خلاص مَن يطلب الخلاص، والقاعدة اللاهوتية هي أن الانسان ليس هو مصدر النعمة، ولا هو واهب النعمة، وحياة الانسان لا تضيف إلى النعمة شيئاً.

المسيح رب الجسد ورأس الكنيسة جسده:

يجب أن نستنير ونفهم أننا في السرائر بالذات ننال ثمرة اتحاد اللاهوت بالناسوت في يسوع رب المجد.

1- في المعمودية ننال غفران الخطايا، ورفع الدينونة، والتبني، وشركة الملكوت، والحياة الأبدية، والقيامة من الأموات. هذه لا تعطى بواسطة خادم السر، ولكنها تعطى في السر، وصلوات خدمة المعمودية واضحة في الدلالة على ذلك.

2- في الميرون ننال شركة في مسحة الرب يسوع، الذي مُسِح لكي نُمسح نحن فيه، ولكي ننال الثبات في النعمة بواسطة الروح القدس، وهذه لا تعطى بواسطة خادم السر، بل بواسطة المسيح.

3- في الافخارستيا ننال جسد الرب ودمه؛ لأنه هو الكاهن وهو القربان والذبيحة وهو الموزِّع للسر؛ لكي ننال فيه وبه حياة أبدية، وهو ما تؤكده الليتورجيات الأرثوذكسية.

نطلب من الرب يسوع أن يُنهِض أساقفتنا من ظلمة الجهل، وأن ينير قلوبهم بالتعليم الصحيح حتى لا يأخذ أي منهم مكان المسيح أو يخطف من الرب عمله وقدرته؛ لأن هذا ارتداد عن الإيمان، لأن خطايا البشر لا تُنقص عمل النعمة، وما في البشر من فضائل لا يضيف شيئاً بالمرة إلى نعمة الله.

لم يتكون لدينا على المستوى الشعبي، الوعي بأن قداسة الانسان أو شره لا تغيِّر نعمة الله، لا تُنقص منها شيئاً ولا تضيف إليها شيئاً. أعمالنا تخلق فينا إما قبول النعمة والتناغم معها في وحدة، وإما رفض النعمة ومقاومتها.

الفزاعة الشيطانية:

هكذا سار الانحدار، وأخذ بعض الأساقفة والقساوسة مكان الرب نفسه، وكأنه، أي الرب يسوع كائن في السماء وحدها لا علاقة له بجسده الكنيسة، أو كأن الكنيسة بلا رأس الذي منه تنمو كل الأعضاء نمواً من الله. هل ضاعت صرخة رسول المسيح: “لا يخسركم أحد غاية السير مع المسيح (الجعالة) راغباً في التواضع (لأن المسيح أعظم من أن تكون له علاقة بالبشر وكأنه لم يكن الإله المتجسد) وعبادة الملائكة (كوسطاء) متداخلاً في ما لم ينظره (أي لم يعطى بالمرة) منتفخاً من قبل ذهنه الجسدي (يضع القيود على نعمة الله ويرفضها) وغير متمسك بالرأس (الذي هو يسوع المسيح) الذي منه كل الجسد (لأن الحياة الجديدة تأتي من الرب لا بوسائل أخرى غير يسوع ولا ببدائل أخرى) .. ينمو نمواً من الله (هو نمو شركتنا في الحياة الإلهية حسب استعلان يسوع المسيح)” (كولوسي 2: 18 – 19)، مع الاعتذار عن الكلمات التي وُضِعَت بين الأقواس.

التعليقات

2 تعليقان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة