الأرواح السبعة أمام العرش الإلهي (رؤ 1: 4)

ورد سؤال إلى الموقع من الأخ سامح جورجي، يقول:

من هم سبعة ارواح الله المذكورة في سفر الرؤيا وما علاقتهم بسبعة أعين الله التي تجول في كل الأرض؟؟؟؟؟ أنا أتعثر كثيرا عند قراءة هذا السفر(الرؤيا)، فتوقفت عن قراءته، فبماذا تنصحني، أطلب إرشاد، كيف أفهم؟؟؟؟؟؟؟

وللإجابة عن هذا السؤال، نقول:

أقدم تفسير لسفر الرؤيا هو تفسير Oecumenius وهو من مؤلفي القرن السادس، وربما كان معاصراً للقديس ساويرس الأنطاكي (538)، وله عدة تفاسير على انجيل متى ورسائل القديس بولس.

كذلك كتب أندراوس أسقف قيصرية في القرن السابع، هو أيضاً تفسيراً لسفر الرؤيا. ومن تراثنا القبطي، هناك شرح سفر الرؤيا لابن كاتب قيصر، وقد نُشِر على الأقل مرة واحدة. ثم يوجد أيضاً شرح سفر الرؤيا في السلسلة Ancient Christian Commentary on Scripture مجلد 12 وهو عبارة عن اقتباسات لعدة مؤلفين.

ثلاث ملاحظات على سفر الرؤيا:

هناك ثلاث ملاحظات على سفر الرؤيا:

أولاً: لا يُقرأ سفر الرؤيا في قداسات الكنائس الأرثوذكسية: القبطية – السريانية – الروم – الأرمن. وهو غير موجود في كتب القراءات الكنسية. ولكن انفردت الكنيسة القبطية بقراءة سفر الرؤيا في أسبوع الآلام، وتحديداً بعد خدمة دفن المخلص، في ليلة سبت الفرح، وتُعرف هذه الليلة في التراث الشعبي باسم “أبو غلامسيس” وهي تعريب لاسم سفر الرؤيا اليوناني – القبطي.

ثانياً: لا يوجد إجماع حول محتويات السفر، وقد انقسم الرأي حوله إلى قسمين:

+ قسمٌ يرى أن موضوع السفر هو صراع الكنيسة في العالم في كل العصور. وأن الحديث عن الكنائس السبع، هو خلاصة تاريخ الكنيسة؛ لأن رقم 7 هو رقم الكمال (ستة أيام + السبت = 7).

+ وقسمٌ يرى أن موضوع السفر هو عن صراع الخير والنور، والظلمة والشر في الامبراطورية الرومانية، ولذلك، النبوات التي فيه، قد تمت كلها بانتصار بشارة الانجيل.

ثالثاً: الاسم نفسه “رؤيا” لا يجب أن يكون موضوع تأمل أو بحث، بل انتظار أن تتم الرؤيا أو النبوة. والانتظار أفضل من الانشغال بأي موضوع آخر غير نبوات المستقبل. والمثال الواضح لنا هو رسائل القديس بولس الذي كان هدف حياته هو أن يُصلب ويموت ويظل متحداً بالرب يسوع. هذا تحذير لكل من ينشغل بأمور عالية تفوق الإدراك.

الأرواح السبعة أمام عرشه:

يقول إيكيومنيوس في الخطاب الأول على رؤيا 1: 4:

“الأرواح السبعة هي الملائكة السبعة، ولكنها ليست بالمرة مساوية للثالوث القدوس الواحد بالجوهر، بل هم خدام معاونون وأمناء؛ لأن النبي يقول مخاطباً الله: “كل الأشياء تخدمك” (مزمور 119: 91 س)، وضمن هذه الأشياء، الملائكة أيضاً. وفي موضع آخر يقول عن الملائكة: “باركوا الرب يا قواته الخدام الذين يعملون إرادته” (مز 103: 21 س). ونفس أسلوب (رؤيا 1: 4)، نجده في (1تيمو 5: 21) إذ يقول: “أناشدك أمام الله ويسوع المسيح والملائكة المختارين”، وعندما يقول سفر الرؤيا: “الذين أمام عرشه”، فهو يضيف شهادتهم كخدام فقط، وليس لأن لهم ذات الكرامة التي للثالوث”. وهو نفس شرح اندراوس اسقف قيصرية.

في الغرب اللاتيني وصلنا أكثر من شرح لسفر الرؤيا، فُقِدَ أغلبه، وهو شرح للأسقف Tyconius وهو أحد معلمي القديس أوغسطينوس، وقد قسَّم عصور التدبير الإلهي إلى سبعة عصور (سوف نعود اليها في مناسبة أخرى). ولكن التفسير شبه الكامل هو تفسير Apringius وهو كاتب مسيحي في القرن السادس، أصلاً من تونس عاش في Beja وهي اليوم باجة. ولعله هو أول من قال إن الأرواح السبعة هي مواهب الروح القدس السبعة. وهو يشرح كلمات الرؤيا على هذا النحو:

“هنا سر رقم سبعة الذي يوجد في مواضع متعددة (من الأسفار)، وهنا الأرواح السبعة، قد قُدِّمت لنا؛ لأنها روحٌ واحد بعينه، أي الروح القدس الواحد الذي له اسم واحد، وقوى سبعة متعددة، غير منظور ولا منقسم، ولا هو مادي، والذي لا يمكن فهم حقيقته. أشعياء العظيم أعلن لنا رقم سبعة والقوة الكاملة للروح عندما كتب “روح الحكمة والفهم – لأنه بالفهم والحكمة يُعلم أنه خالق كل الأشياء – روح المشورة والقوة – وهؤلاء الذين يؤمنون يخلقهم الروح – روح المعرفة والتقوى (المخافة) – الذي يسود على الخليقة وبالمخافة يدرب على قبول المعرفة لأن غاية الروح هي الرحمة.

روح مخافة الرب، عطية خوف الرب، تُستعلن فقط للكائنات العاقلة، هذه هي قداسة الروح الخاصة به، والتي بها نخدمه، وهي أي العطايا السبعة، تحتوي على التسبيح غير المعبَّر عنه باللفظ (شرح سفر الرؤيا – راجع مجلد 12 السابق ذكره).

أرجو أن تنشغل بالرب وحده؛ لأن المحبة لها طريق واضح خاص بها يقودنا إلى معرفة خاصة. البحث والدراسة نافعة جداً، ولكن الأعظم هو طريق المحبة؛ لأنه الطريق الأبدي الذي جعل الثالوث القدوس يختاره بنفسه لكي يكون منزلاً في داخلنا (يوحنا 14: 13).

لا يجب أن يكون لنا هدف آخر أعظم من محبة الرب يسوع، وكل الأفكار والمشاكل العقلية هي هباء بالمقارنة بمحبته لنا، ومحبتنا نحن له.

د. جورج حبيب بباوي

التعليقات

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة