محنة أُم الشهداء – 2

كيف، ولماذا تحول الظل إلى نور؟

لا تزال أسفار موسى الخمسة (التوراة) تحكم مخيلة بعض الذين لم ينالوا استنارة ونعمة العهد الجديد. ورغم أن الرسول بولس اليهودي المتنصِّر الذي قدَّم كل ما يملكه كيهودي:

– مختون في اليوم الثامن.

– من سبط بنيامين.

– عبراني من العبرانيين.

– من جهة الشريعة فريسي (أفسس 3: 5-6).

واعتبر أن الانتماء والممارسات التي كان يظن أنها “ربح”، يقول: “فهذا قد حسبته خسارة”، بل يقول: “وأنا أحسبها زبالة أو نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه وليس لي بري (صلاحي وصدقي وإيماني) الذي حسب الشريعة بل الذي بإيمان المسيح البر الذي من الله بالإيمان” (فيلبي 3: 8-9) .. هكذا كان بولس قد دخل الخليقة الجديدة؛ لأن “الأشياء القديمة قد مضت والكل صار جديداً” (2كو 5: 17). الأشياء القديمة هي بعينها كانت رمزاً لما سيجيئ، وهي كما كتب “قائمة بأطعمة وأشربه وغسلات مختلفة وفرائض جسدية فقط موضوعه لوقت الإصلاح” (عب 9: 10).

          زال الختان، رغم أنه كان علامة العهد مع إبراهيم؛ لأن المعمودية صارت ليس قطع جزء من الجسد بل خلع الإنسان القديم، وصارت ختان المسيح بالدفن مع المسيح في المعمودية (كولوسي 2: 12)، وزالت الذبائح “لأن الشريعة لها ظل الخيرات الآتية لا نفس صورة الأشياء”، ولذلك لم يسر بها الله، بل “ذبائح خطية لم ترد”، وفي إصرار أكثر “ولا سُررت بها تلك التي تقدم حسب الشريعة”؛ لذلك نزع كل ما يخص الذبائح بسبب ذبيحة ربنا يسوع المسيح (عب 10: 1-10)، وتغيَّر الكهنوت اللاوي، وعبارة الرسول قاطعة: “لأنه إن تغيَّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغيير للشريعة أيضاً” (عب 7: راجع 11: 12).

شطحة وفتوى أسقف محبوب:

ذكر الأسقف أن شريعة تطهير الأم هي 40 يوماً إذا ولدت ذكراً و80 يوماً إذا ولدت أنثى. وجاءت الشطحة صادمة، إذ فَسَّر ذلك بأن خطية حواء مضاعفة، وخطية آدم أقل، ولذلك ولادة الذكر ليست مثل ولادة الأنثى، لأن الأم ولدت أنثى، أي حواء أخرى.

والمأساة هنا أن هذه الشريعة وغيرها، الموضوعة إلى وقت الإصلاح، أي الآتية من الظلال، صارت هي التي تفسر الخلق الجديد وتجديد الطبيعة الإنسانية!!! والمأساة الأشد أن تصبح الخطية هي قاعدة تفسير يشمل المرأة بالذات، كأن ولادة الابن الوحيد من العذراء لم تشمل المرأة بأي تجديد، بعكس ما نردده أحياناً دون وعي في الثيئوتوكيات في التسبحة السنوية، إذ تحولت رموز وظلال الشريعة: الهيكل وتابوت العهد والعليقة إلى رموزٍ لتنازُل الابن الوحيد واتحاده بنا، أي بالطبيعة البشرية. وقد شرح القديس كيرلس الكبير في المقالة 15 من كتابه السجود والعبادة بالروح والحق (راجع الترجمة العربية د. جورج عوض ص 612-614) بأن نجاسة المرأة هي “أنها تغذِّي الفساد”، أي ولادة بشر للموت. وقدم القديس كيرلس فقرات من سفر حكمة سليمان: “الله لم يخلق الموت لأن هلاك الأحياء لا يسره”. ثم “خلق الله الإنسان لحياة أبدية، وصنعه على صورته الخالدة، ولكن بحسد إبليس دخل الموت الى العالم ..” (حكمة سليمان 2: 23-24 ص 613 من كتاب السجود والعبادة بالروح والحق)، وقدَّم القديس كيرلس الرأي الطبي الشائع في زمانه، وهو أن الذَكَر “يتشكل في 40 يوماً، أو لو كانت بنتاً فإن تشكيلها يتأخر باعتبار أن بنية البنت ضعيفة، لأجل ذلك يقولون إن البنت تحتاج إلى 80 يوماً حتى تتشكل تشكيلاً كاملاً ..” (المرجع السابق ص 614). ولا يقف القديس كيرلس عند ذلك بل يقول: “بما أننا صرنا شركاء الطبيعة الإلهية، صرنا على صورة المسيح .. ولادتنا لا تغذِّي بعد الفساد بسبب معصية آدم، لكن تصير نبعاً للحياة وعدم الفساد بفضل تبريرنا بالمسيح ..” (المرجع السابق ص 614).

لماذا نسير في طريق الفتاوي، دون أن ندري أن مثل هذا الشرح:

1- يهدم تجديد الجنس البشري الذي يتم في المعمودية المقدسة.

2- يضع حِمل الخطية على التناسل وعلى المرأة بالذات، تاركاً -عن عدم معرفة- تجسد عمانوئيل وصلبه الذي رفع الموت واللعنة والفساد.

3- وما أفظع أن تكون الخطية هي قاعدة تفسير أي شيء، فنتجاهل أن تجسد الابن له المجد كان بسبب محبة الله الآب للعالم (يوحنا 3: 16).

نحن إزاء محنة حقيقية لها جذور لابد من أن نكشف عنها.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة