
والدة الإله

التعليقات
مواضيع ذات صلة
Related Posts
- عن التجسد
التجسُّد يمثل قلب وجوهر الديانة المسيحية. ولأن الله قد أعلن عن نفسه في الطبيعة الإنسانية،…
- صعود المسيح
صعود ربنا يسوع بالجسد الذي جاز به الولادةَ الناسوتية، والذي به ذاق الربُ الموتَ، ثم…
- الظهور الإلهي
يُسَمّى حدث معمودية المسيح على يد يوحنا السابق في نهر الأردن الظهور الإلهي (Theophany -…
تعليق واحد
الثيئوتوكوس ( Theotokos )
1- سؤال مشروع
. بالتأكيد إن مضمون المصطلح هو أن أمنا العذراء مريم هي والدة الإله المتجسد ، هي أم الرب ، هي أم يسوع المسيح ، ولكن هناك سؤال – أعتقد بمشروعيته – قد راودني كثيرا : ألم يكن من دواعي دقة الصياغة اللاهوتية أن يكون المصطلح في هذه الصيغة البديهية ” والدة الإله المتجسد ” ؟ أو أن يكتفى بالصيغة الإنجيلية الواردة على لسان القديسة أليصابات ، صيغة ” أم الرب “؟ ، أو صيغة ” أم المسيح ” .
. وبالتأكيد ، أيضا ، لم يكن في ضمير القديس كيرلس الأول عامود الدين ، الذي كرس هذا المصطلح في ملابسات مجمع أفسس – ومن قبله كثيرون قالوا به مثل أوريجينوس و أثناسيوس ويوحنا ذهبي الفم ، وغيرهم – غير هذا المضمون . إذن ، فلماذا كان من الضروري التشبث بهذا المصطلح الذي – شئنا أم أبينا – هو مثير للجدل ؟
2- المشكلة
. اقتطاع ” الحدث ” من سياقه التاريخي الأشمل وتأويله بما يتفق مع الهوى ، هو تدليس فكري يصل إلى حد الجريمة ، وأما اقتطاع ” مصطلح ” من سياقه التاريخي فهو جريمة أعظم . هذا هو ماقد يحدث مع مصطلح ” الثيئوتوكوس ” .
. نتيجة عزل المصطلح عن نشأته التاريخية ، هي أمران يمثلان موقفين غير موضوعيين ، وهما في الواقع متناقضان :
1- موقف محبي العذراء مريم ومريديها ، وهم كثر ، الذين وجدوا في ” الثيئوتوكوس ” ضوءا أخضرا لمزيد من التكريم والتعظيم لشخصية لايختلف على تطويبها إثنان . رومانسية الحب المريمي ( إن جاز التعبير ) أطلقت العنان للغة التمجيد الشعري وللغة المديح . ولأن للشاعرية قانونها وفقها فقد وصلت الرومانسية إلى خطوط بعيدة تكاد يرى من بين موجاتها ” مركزية مريمية ” ( إن جاز التعبير ) فوضعت العذراء – أحيانا في موضع – تأويلي للنص الكتابي – لاينبغي أن يتموقع فيه غير المسيح .
2- موقف الرافضين الذين يجدون في ” الثيئوتوكوس ” والدة الإله ” مايوحي بلاهوت مريمي ، أو بعبادة العذراء ، أو على أقل تقدير ، مايوحي بنوع خفي من الشرك الذي يجعل من العذراء بداية للوغوس .
3- السياق التاريخي
. ولكن بالعودة إلى السياق التاريخي ، نكتشف حقيقة هامة جدا وهي أن تكريس ” الثيئوتوكوس ” من قبل البابا كيرلس ، على خلفية مجمع أفسس ، لم يكن في سياق مركزية الحديث عن العذراء ، فلم يكن صراع القديس السكندري مع نسطور قائما بخصوص شخص القديسة مريم ولكن بخصوص شخص ” المسيح ” ، فقد كان المضمون الخريستولوجي لدى نسطور ، مشوها بل خاطئا وهرطوقيا بالمطلق .لم يكن مفهوم ” الشخص ” متبلورا لديه ، فبدت الطبيعة البشرية في عزلة عن اللاهوت .
. لذلك فإن ماحاجج به نسطور بأن العذراء هي ” أم المسيح ” ( Christotokos ) هو ” قولة حق ، يراد بها باطل ” ، فلم يكن مقصد نسطور سوى أن العذراء هي أم للإنسان يسوع المنعزل عن اللاهوت ، بمعنى آخر ، أكثر وضوحا : هي أم لأحد الطبيعتين المتصاحبتين ، وليست أما لشخص مركزي واحد .
4- عبقرية المصطلح
. تكمن عبقرية المصطلح في كونه تحديدا عمليا ، كاشفا لعمق مفهوم ” الاتحاد الأقنومي ” ( Hypostatic Union ) ، الذي يكرس وجود شخص الرب يسوع ، المحقق من عنصرين : الله الكلمة ، والإنسان الكامل .
. مايعنيه الاتحاد الأقنومي المعلن في شخص الرب هو أن الله قد ظهر في الإنسان بالقدر الذي ظهر به الإنسان في الله ، بدون أن يفقد الله ألوهته لحساب الإنسان أو أن يفقد الإنسان إنسانيته لحساب الله .حالة من الضمنية المتبادلة والاحتواء ( التواجد ) المتبادل بين لاهوت الكلمة المتجسد ، وناسوت الكلمة المتجسد .
. قدم القديس كيرلس عامود الدين نموذجا تمثيليا – عبقريا أيضا – لمفهوم الاتحاد الأقنومي ، إذ استعان بالشخصية الإنسانية كمثال ، فالشخص الإنساني قائم بفضل الاتحاد الأقنومي بين عنصرين : النفس والجسد . ولاوجود لأي منهما مستقلا عن الآخر ، فالفصل هو الموت . النفس هي التعبير المعنوي عن الإنسان أما الجسد فهو التعبير البيولوجي عن الإنسان .
. وإذا أردنا أن نبني على النموذج الذي قدمه القديس السكندري ، فإننا نستطيع أن نقول بأنه في لغة الكتاب المقدس ، في أحيان كثيرة ، يجوز الحديث عن الشخص الإنساني باستعمال الإشارة إلى أحد العنصرين فقط ، فالإنسان كتابيا هو جسد ، ” فالكلمة قد صار جسدا “( يو1 : 14 ) أي صار ” لحما ودما “( sarx ) ، صار إنسانا . وكتابيا أيضا ، الإنسان هو ” نفس ” ، ” فقد صار آدم نفسا حية “( تك2 : 7 ) ، أي صار إنسانا .
. إذن ، مفهوم الشخص يعني أن أي عنصر من العنصرين اللذين يحققان وجود الشخص – من خلال الاتحاد الأقنومي ( الشخصي ) – هو – من الوجهة اللاهوتية الإنجيلية – قادر على استعلان الشخص كاملا ( بعنصريه ).
. وإذا كان الرب يسوع هو إله كامل وإنسان كامل بآن ، في اتحاد شخصي، فهذا يعني ببساطة أن وليد العذراء هو الله الكلمة ، وهو الإنسان الكامل ، بآن واحد . ويعني أيضا أن النقطة الحاكمة ، الكاشفة لحقيقة وجود اتحاد اقنومي بين الله والإنسان ، من عدمه ، هي قدرتنا على التعبير عن الشخص باستعمال أحد العنصرين فقط ، هي قدرتنا أن نقول أن العذراء هي ” والدة الإله ” . هذه هي عبقرية مصطلح ” الثيئوتوكوس ” .