حول مصير الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية

لا شيء يؤلم قدر قرار حرمان أبدي من ملكوت السموات، يصدر من إنسان لا يملك أن يعطي، ولا يملك أن يمنع عطية الملكوت عن إنسان مهما كان هذا الإنسان.

وقد علمتنا كنيستنا المقدسة أن نقول في أوشية الراقدين: “ليس أحد بلا دنس ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض”، هذا يقال عن الكل، عن البطريرك والأسقف والقس وكل أفراد الشعب. والدنس هنا هو الخطايا الطوعية الشخصية، وتلك التي نسقط فيها بمعرفة أو بغير معرفة بالقول والفعل والفكر. هذه الرؤيا الرسولية الأرثوذكسية لا يجب أن تغيب عن الأذهان، ولا يجب أن نقع في بئر فتاوى عصر الأنبا شنودة الثالث الذي أفرز أساقفة حصلوا على المعرفة من العمامة والعصا والجلابية السوداء، ولم يتمكن أغلب هؤلاء من دراسة القانون أو اللاهوت أو التاريخ.

لم يحدد الآباء الكبار مصير الأطفال الذين يموتون بدون معمودية.

الغرب الكاثوليكي لم يحدد مصير هؤلاء إلَّا في عام 1267 في صيغة الاعتراف بالإيمان التي قُدِّمت إلى الإمبراطور ميخائيل إمبراطور القسطنطينية، وهي صيغة لم تُقبل بشكل نهائي، حيث قالت الوثيقة إن هؤلاء يُحرمون من “السعادة في السماء”، ولم تُضِفْ أكثر من ذلك. قبل ذلك قال أوغسطينوس في مقالته عن (الخطية والاستحقاق فقرة 1: 16) إن الأطفال يعانون نوعاً من الألم من خسارة لم يحددها، وهو ذات الرأي الذي أبداه القديس غريغوريوس النزينزي في (المقالة اللاهوتية 40).

هذه كلها اجتهادات وآراء لا تصل إلى مستوى التعليم العقيدي، ولكن الثابت أنه لا يوجد تعليم عن هلاك هؤلاء؛ لأنهم لم يصلوا إلى مرحلة النضوج الذي يسمح لهم بالخطية .. ولذلك في مقالة القديس غريغوريوس النيسي عن موت الأطفال يقول إن هؤلاء ليسوا مثل البالغين، وأنهم لا يُعاقَبون، وأكَّد أنه يعبِّر عن رأيه.

بالطبع هناك أطفال بيت لحم الذين ماتوا ذبحاً بدون معمودية، ومع ذلك لم تعلن صلواتنا أنهم هلكوا، بل اعتُبروا بداية الشهداء، رغم أنهم لم يكن لهم معرفة ولا إيمان بالمسيح.

وفي البردية التي نشرها crum ومحتواها سؤال عن مصير الأطفال الذين يموتون بدون نوال المعمودية، “هل سيُقبلون في الملكوت”؟ وجواب القديس كيرلس: “بكل يقين نعم؛ لأن الملكوت هو لهم؛ لأنهم من لحظة تكوينهم في أرحام أمهاتهم قد كُتِبَت أسماءهم في ملكوت السموات، وكما أن الأصل مقدسٌ كذلك الأغصان؛ لأن الذي يُقدِّس والذين يتقدسون هم من واحد، وهو المسيح (نشر البردية العالم الألماني Ehrhard).

هذه النظرة الكونية متأصِّلة في كونية الخلاص الذي أتمه المسيح؛ لأن بعد التجسد “أباد الابن اللعنة التي وضعت على المرأة الأولى” (شرح يوحنا 2: 2-3 مجلد 1: 200 – 201).

مجمع مصر القديمة الذي عقد في 1237 وحضره الصفي ابن العسال هو الذي قرر حرمان هؤلاء من ملكوت السموات، ولكن قبل ذلك عَرِفَ الشرق مجموعة الأسئلة التي تُنسب للقديس اثناسيوس الرسولي، وهي إجابات عن أسئلة أفتيوخوس وتذكر الإجابة أن الأطفال هم في حالة وسط Limbo وهو رأي أشبه بشكل كبير بما ساد في المصادر الكاثوليكية، بينما نشر الأستاذ بشارة بسطوروس في عام 1938 تعليم القديس بطرس ذكر فيه أنه تُرجم عن القبطية أن هؤلاء الأطفال سيدخلون جهنم.

أمام تأرجح الآراء هذا، يجب أن نكون على حذر من إصدار حكم هو خاص بالله وحده. نحن نعرف مصير الذين ينالون المعمودية ويعيشون حياة القداسة … هذه معرفة عامة لا يمكن أن ترقى إلى مستوى الحكم النهائي؛ لأن الحكم النهائي خاص بالله وحده، ولذلك القاعدة العامة في الأرثوذكسية هي أن الأمور الخاصة بحياة الدهر الآتي واضحة بالنسبة للذين يؤمنون، وحتى مصير هؤلاء معروف بشكل نهائي لله؛ لأنه هو وحده “ديان الأحياء والأموات”.

التعليقات

8 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة