إلى أين يقودنا الجهل والتشنُّج؟

لا شك أن نسيان التاريخ يؤدي إلى فقدان الذاكرة وضياع طريق التقدم. وحسب التاريخ الذي ترك بصمةً واضحةً على طقسنا، يظل يوم الأحد هو يوم قيامة الرب يسوع. ولازال القطمارس القبطي يؤكد على قراءة الفصول الخاصة بالقيامة في باكر كل يوم أحد من كل أسبوع، وهو ما يعني أن الكنيسة تعيِّد للقيامة كل يوم أحد.

          أما الاحتفال السنوي بالقيامة، فلم يكن معروفًا قبل القرن الثاني. وكان العلامة أوريجينوس قد اشتكى من الاحتفال السنوي بالقيامة، معللاً ذلك بقوله إن عيد الكنيسة ليس مثل فصح اليهود يجب أن يقام في يوم معيَّن. وهكذا الأمر بالنسبة لعيد تجسد الرب، فلم يكن عيد تجسد الابن له المجد ضمن أعياد الكنيسة الجامعة حتى القرن الرابع، ورغم ذلك كانت الكنيسة تجاهر بإيمانها بتجسد الرب في غير موعدٍ، لأن أركان التدبير نلامسها في تردادنا اليومي لقانون الإيمان: “تجسد من القديسة العذراء مريم …”. وفي القداس الإلهي: “تجسد وتأنَّس …”.

هذه دعامة لا يمكن تجاهلها. ولذلك، فإن احتفاظ الكنيسة بيومٍ تعيِّد فيه لتجسُّد الرب هو بمثابة الخيط الرفيع الذي يربطنا باليهودية.

وعندما استطاع علماء الكنيسة الكاثوليكية إصلاح التقويم، لم تكن لدينا فرصةً مماثلة لإصلاح أي شيء، لأن الكنيسة التي رزحت تحت حكم الأمويين مرورًا بحكم العباسيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، وصولاً إلى عصر الدولة الحديثة التي بناها محمد علي، أنهك الكنيسة فعدمت المؤسسات التعليمية التي كان يمكنها أن تقوم بشيء من هذا القبيل، ولم تولد الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية إلا في العصر الحديث .

غياب كل ذلك عن خلفية المشهد، يعني أن الجهل والتشنج الذي يقود كتائب مواقع التواصل الاجتماعي، إنما يفقدهم البصر والبصيرة، فيأبون إلا أن يروا لدينا أيامًا خاصةً بالأعياد تمامًا مثل اليهود، متعامين عن الحلول الأبدي الدائم لمن “يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديًّا” (كولوسي 2: 9)، جاهلين ومتجاهلين أن “الرب معنا”، ليس حسب ساعة أو يوم معيَّن لأنه رأس الجسد الذي لا يمكن فصله عن الجسد، وأنه هو “ربُّ البيت”، لا موسى النبي (عب 3: 6).

ولذلك كان من الطبيعي أن قادهم الجهل والتشنج إلى فقدان أدب الحوار، وغرس العداوة، وتمكين الرفض، فأصبح كل من لا يقبل ما تنشره هذه الكتائب هرطوقيًّا ومخالفًا، هكذا دون مراجعة أو مناقشة، ودون حتى امتلاك حق الحكم وأدواته. وهكذا أصبحت الاتهامات العامة بالهرطقة تؤكد أن الجهل لا سند له إلا الصوت العالي.

تُرى، هل سنعود إلى درس التاريخ، فنتقدم إلى الأمام؟ سؤالٌ هام جدًا، لأن الجهل يفتح باب الكراهية، أما الحوار فيفتح نافذة الحرية وبالتالي باب التقدم.

دكتور

جورج حبيب بباوي

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة