دخول يسوع أورشليم

أمس كان عندنا سبت لعازر الذي أقامه يسوع من بين الأموات صورةً مسبقةً عن قيامته هو في اليوم الثالث. لعل أهم ما جاء في إنجيل أمس هو قول مرتا أخت لعازر للسيد: “لو كنت ههنا لم يمت أخي … فقال لها يسوع سيقوم أخوك”. ظنت أنه كان يتكلم على القيامة في اليوم الأخير “قال لها يسوع أنا القيامة والحياة”. وكأنه يقول القيامة الأخيرة سوف تحل ما في ذلك ريب. ولكن المهم أن تعيشوا أنتم وكأنكم تحققون هذه القيامة كل يوم. وهذه حدث في داخل نفوسكم. أنا قيامتكم وحياتكم إن أنتم آمنتم بي. فالمهم التصاقكم بي. هنا تبدو المسيحية على أنها عشق المؤمنين ليسوع. المسيحية ليست كتاباً. هي أنا.

في اليوم الثاني دخل يسوع إلى أورشليم “راكبا على أتان وجحش ابن أتان”. هي دابة الفقراء. يدشِّن المسيحُ موته بشكلٍ فاتحٍ متواضع، أي أنه يدخل قلوب الناس وطراوتهم. يستقبله الأطفال بالدرجة الأولى. يركب بهيمة “ليحل بهيمية الأمم”.

عشية ذلك اليوم والاثنين والثلاثاء نرتِّل “ها الخَتَن (وهي كلمة سريانية تعني العريس) في نصف الليل”. يُدخل كل نفس في كثافة الظلام لأنه نورها. وكل نفس مؤمنة به تصير عروساً له. صرنا في مرتبة الحب. وتأكيداً لذلك نرتل أيضاً: “إنني أشاهد خِدْرَكَ مزيناً يا مخلّصي”. والخدر هو الغرفة الزوجية أي أن الكنيسة تدعونا إلى العرس، أسبوعُ آلام وليس أسبوع حزن. ذلك أن أوجاع المخلّص تعطينا فرح الخلاص. ومن جديد نستوحي إنجيل مرقس ونقول: “قلتَ لهم (أي لتلاميذك) ألاَّ يماثلوا الأمم بالسيادة على من هم دونهم، فالأول فيكم ليكن خادماً للكل والرئيس كالمرؤوس والمتقدم كالأخير”. أيضاً هنا التواضع حتى آخر طريقه، أي الموت.
لا نعرف على وجه الضبط كيف قضى المعلم هذه الأيام الأولى في أورشليم، ولكنا نعرف الأقوال التي علّمها في الهيكل وأهمها ما يتعلق بالدينونة. انتبهوا وعوا فصليبي يدين العالم، فلا تقعوا تحت الدينونة بمشاركتكم الذين سيقتلوني. أبيدوا شهواتكم المؤذية لئلا أحاكمكم في اليوم الأخير. أحبوا موتي الإنقاذي لئلا تموتوا بمعاصيكم.

بعد هذا، مساء الخميس العظيم، سيقيم العشاء السري مع تلاميذه. “شهوةً اشتهيتُ أن آكل هذا الفصح معكم … ثم تناول كأساً وشكر وقال: خذوا فاقتسموا بينكم فأني أقول لكم إني لا أشرب من عصير الكرمة حتى يأتي ملكوت الله. وأخذ خبزاً وشكر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يُبذل لأجلكم… وكذلك الكأس من بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي…”. ثم خرج ومضى على عادته إلى جبل الزيتون وتبعه تلاميذه.>

هذا هو القداس الإلهي عندنا. “هذا هو جسدي” أي هذا هو أنا، بمعنى أنكم إذا تناولتم القربان في كل ذبيحة تأكلونني أي تجعلون ذاتي في ذواتكم. والدم الذي تشربونه – وصورته الخمر – إنما هو الحياة (في فلسفة ذلك العصر الدم هو الحياة). فكلما اجتمعتم تتناولون ذاتي وحياتي. القصة ليست أكل لحم وامتصاص دم بالمعنى البيولوجي. الكل فيكم هو أنا لأني أنا القيامة والحياة كما قلت لمرتا قبل أيام معدودات. “من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه”. فبالدم يتحد العريس والعروس. وما أنا معطيكموه الآن صورةً، إنما سيتم غداً على الصليب إذا طعن اليهود جسدي وأهرقوا دمي. إذ ذاك تنطلق حياتي من هذا الصليب عليكم وعلى العالم. “ثقوا إني غلبت العالم”. سيقول هذا بعد العشاء الأخير فيما كانوا نازلين إلى وادي قدرون ليبلغوا جبل الزيتون حيث يسلم الخائن المعلم إلى أيدي الخطأة.

“انتم فيّ وأنا فيكم”. عند ذاك آخذكم إليَّ. انتم تحسبون إني صرت إليكم، وهذا ما أكدته قبل ذلك في الحديث عن خبز الحياة كما رواه يوحنا في إنجيله الرابع. ولكن ما لا تعرفونه أنكم لحظة تأكلون جسدي وتشربون دمي، أنا أيضاً آكلكم وأشربكم وأتناولكم لكي تكونوا معي على عرشي. فإذا نظرتم إليَّّ مصلوبا تستوون على العرش وتقومون من موتكم الروحي حتى نهاية هذا الوجود الأرضي، ثم تستوون على عرشي في السموات عن يمين الآب أي تكونون على كرامة الآب. انتم في الحب تتألهون وتصيرون ملوكاً بملوكية الآب، وهذا هو فصحكم الأبدي.

المطران جورج خضر
عن نشرة رعيتي تصدرها أبرشية جبيل والبترون للروم الأرثوذكس
الأحد 24 ابريل 2005م

التعليقات

2 تعليقان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مواضيع ذات صلة